احکام وضو
...
...
...
...
...
...
في ليلة الجمعة الخامس والعشرين من شوّال سنة ١٣٣٤ هـ . ق، أنار منزل محمود الكربلائي وليدٌ، جعلته يد القدرة الإلهيّة فيما بعد مَعِينَاً ينهل منه عشّاق العلم والمعرفة من شيعة أهل بيت العصمة والطّهارة صلوات الله عليهم، ومناراً يُضيء لسالكيه درب السير إلى الله سبحانه وتعالى؛ إنّه آية الله الحاج الشّيخ محمّد تقي البهجة (البالغ مناه). لقد كان محمود الكربلائي ذلك الرّجل الصّالح وذو الصّيت الطيّب في مدينة «فومن»[1] على موعدٍ مع مولوده الّذي حباه الله إيّاه وبُشِّرَ باسمه الموعود به، منذ سني شبابه، وذلك من خلال حادثة ألمّت به، حيث كانت مدينة فومن -قبل أكثر من عشر سنوات من الولادة الميمونة للشّيخ البهجة- قد تعرّضت لهجوم مرض فَتكَ بأهاليها واحداً تلو الآخر...
وما إن بلغ هذا المولود شهره السّادس عشر حتّى اختطفت يدُ الموت أمّه الحنون التّي كانت تغدق عليه الحبّ والرّحمة، وفَجَعَ فقدُها تلك الأسرة الّتي خيّم عليها الحزن والألم، إلّا أنّ أُخته الكبيرة «معصومة خانم» قامت مقام أُمّها وتكفّلت تربيته فأصبحت أُمّاً لأخيها، تصحبه معها أينما حلّت. في أحد الأيّام أرادت «معصومة خانم» أن تقوم برفقة عدد من نساء المدينة بزيارة أحد مراقد أبناء الأئمّة (عليهم السّلام) القريبة من مدينتها، فاصطحبت معها الطّفل «محمّد تقي» وتوجّها معاً إلى زيارة المرقد الطّاهر، وهناك حيث هدأت الأصوات وخشعت القلوب للّه الجبّار، كانت توجد حصاة بالقرب من الضّريح المبارك معروف عنها أنّها ما من زائر دعا عندها إلّا وتمّت الإجابة له بالرّد أو القبول، وتقدّم الطفل ليهمس بكلمات العشق المكنونة في صدره سائلاً...
لا شكّ أنّ الأوقات الّتي كان يقضيها «محمّد تقي» مع أساتذته في حوزة فومن العلميّة، وهم خرّيجو الحوزة العلميّة في النّجف الأشرف، كان يتخلّلها الكلام عن ذلك الجوّ العلميّ المقدّس، ومحاضر الدّروس الرّائعة الّتي تتّصف بها الحوزات العلميّة في العراق، خاصّة تلك الّتي ترفل بأَردية الشّرف والقداسة بجوار باب مدينةِ العِلْم أمير المؤمنين (عليه السّلام) وسيّد الشّهداء (عليه السّلام)، ممّا كان يسبّب زيادة حرارة الوجد والشّوق في قلب هذا التّلميذ العصاميّ الّذي كان شوقه للإمام الحسين (عليه السّلام) قد اختلط بلحمه ودمه منذ طفولته، وكان أُستاذه الشّيخ أحمد السّعيدي يشير على والده الميرزا محمود الكربلائي بأن يبعث ولده «محمّد تقي» إلى النّجف ليكمل دراسته وينهل من علوم أهل البيت (عليهم السّلام)...
فقد ابتهجت نفسه بشمِّ ترابها المقدّس، وتنفّست روحه عبير ذلك الضّريح الملكوتيّ، فوقع يلثم أعتاب سيّد الشّهداء الإمام الحسين (عليه السّلام). ولم يكن المهاجر يومها قد بلغ الحلم حيث كان في ربيعه الرّابع عشر، لكنّه كان يحمل كنوزاً من العلم والمعرفة. ففي الزّيارة الأولى لمقام سيّد الشّهداء (عليه السّلام)، جمع الله تعالى بين العالم الأُصوليّ الكبير «الميرزا النّائيني(قدّس سرّه)» وبين اليافع الموالي «محمّد تقي» في أوّل صلاة جماعةٍ، وفي أول زيارة لهذا اليافع لمقام سيّد الشّهداء (عليه السّلام). فكانت هذه من المنح الحسينيّة الّتي أُفيضت على قلب الغلام الموالي «محمّد تقي»، أن جمعه الله مع العالم التّقي النّائيني، وأراه من حالاته المعنويّة ما جعل قلبه بعطاء ربّه رضيّاً. وهذا الأمر إنّما حصل بتدبير إلهيّ، ولم يكن هذا اللّقاء عابراً، وإنّما هي من الأمور الّتي يعدّها الله تعالى لأوليائه، تمهيداً لصناعتهم لخدمة هذا الدّين الحنيف، فكان هذا اللّقاء الجامع بين اليافع الربانيّ والعالم الربانيّ هديّة حسينيّة ممهّدة لكي يصبح «محمّد تقي» من تلامذة العلاّمة النّائيني عندما ذهب فيما بعد إلى النّجف الأشرف....
لقد كان لكربلاء المقدّسة، والأجساد الطّاهرة الّتي حوتها تلك التّربةُ الزكيّةُ، والمقامات الخالدة المرتفعة قبابها عالياً، وخاصّة مقام سيّد الشّهداء الإمام الحسين (عليه السّلام)، ومقام صاحب الكفيّن المقطوعتين (عليه السّلام) الّذي له درجة عند الله تعالى يغبطه عليها كلّ الشّهداء يوم القيامة ـ والتّي كان يسكنها الفتى الطاهر «محمّد تقي» ـ فضلٌ كبيرٌ في سبوغ النّعم وحلول البركات ونزول الفيوضات عليه. فضيافة الإمام الحسين (عليه السّلام) لمحمّد تقي كانت استثنائيّة، وذات موائد كبيرة وعوائد عظيمة....