All Posts By سید امین

بهجة الولاء للأئمة الأطهار (عليهم السّلام)

من جملة الأُمور التي كان سماحته يُوْليها بالغ الأهميّة، هو حضوره المتواصل يوميّاً في الحرم الطّاهر والملكوتي لكريمة أهل البيت السّيدة فاطمة المعصومة (عليها السّلام)، حيث كان دأبه حتّى آخر عمره المبارك ـ الّذي توسّط العقد العاشر ـ أن يتشرّف بعد أداء صلاة الصّبح بزيارتها، ويعتزل في زاوية من زوايا الحرم ليختلي هناك خلوة العاشق، ويقرأ بعض الزّيارات والأدعية، ويؤدّي بعض الصّلوات....

بهجة الصّلاة

وليس بوسع الكلمات وصف صلاته الملكوتيّة أو درك صورتها البهيّة وروحانيّتها ولا بوسع أحد حتّى أولئك المصلّين الّذين كانت صفوفهم تتراصّ إلى حدٍّ تتزاحم فيه أكتافهم فيضطرون إلى شغل ساحة المسجد الخارجيّة، حيث تتّصل صفوفهم بصفوف أولئك الّذين افترشوا أرض الزّقاق المحاذي لمسجد الفاطميّة وهم يستمعون بآذان قلوبهم إلى صوته المنبعث من داخل محرابه وهو يتلو آيات الذّكر الحكيم، أو يردّد أذكار الرّكوع والسّجود والقنوت، وقد غلبت عليه حالة المضطرّ المستجير باستغاثات يقطّعها النّحيب، وكأنّه لا يريد أن ينفتل من لقاء حبيبه....

بهجة النّاظرين

نعم، فلقد كانت رؤية وجه سماحته تذكّر المرء بالله دون أن يتحدّث معه، ولم يكن هذا حال النّاس العاديين فقط، بل هو حالُ العلماء الربّانيين الّذين كان النّاس يذكرون الله برؤيتهم، ولكن نفس هؤلاء الربّانيين كان لهم نحو تعلّق بالنّظر إلى وجه سماحته المضيء، بحيث كانوا يذكرون الله برؤية سماحته بدرجات عالية من ذكر الله، حيث ينقل الأُستاذ السيِّد رضا الخسروشاهي: «أذكر أنّه في أحد الأيام قد جاء العلّامة محمّد تقي الجعفري(قدّس سرّه) للقاء سماحة الشّيخ البهجة(قدّس سرّه)، وبعد اللقاء وفي أثناء الخروج من منزل سماحته رآني في طريقه وقال: «جاء في الرّوايات أنّه: إذا لم يلتق الشّخص بالعالم كلّ أربعين يوم، مات قلبه»، وكذلك: «زيارة العلماء أحبّ إليّ من سبعين طوافاً حول البيت سماحة الشّيخ البهجة هو المصداق الأبرز لهؤلاء العلماء [المذكورين في الرّواية]»...

التّحف الإلهيّة

وأمّا لدى الحديث حول كراماته الّتي أصبحت أشهر من نار على عَلَمٍ ولا تخفى على البعيد فضلاً عن القريب، هذا على رغم شدّة تكتّمه وحرصه على عدم إظهار شيء منها، لكن ما طفح منها ليست إلا غيضاً من فيض كراماته الباهرة فهنيئاً لأرباب النّعم، وممّا يدلّ على كتمانه هو كلام بعض معاصريه من العلماء والأفاضل في حقّه، وفي هذا ينقل آية الله الشّيخ المصباح اليزدي: «من صفات سماحته أيضاً أنّه كان شخصاً كتوماً جدّاً فيما يتعلّق بإظهار مقاماته المعنويّة ونادراً ما كان يقوم بعملٍ أو يقول شيئاً يدلّ على أنّه قد أتى بأمرٍ أو علمٍ خارقٍ للطّبيعة، لكنّ المقرّبين منه على طول السّنين والعشرة كانوا يواجهون من حين إلى آخر بعض الأشياء الّتي تجزم بأنّ لسماحته قدراتٍ تفوق قدرات الآخرين العاديّة»[1]....

العالم بزمانه ...

بحثنا فلم نجد الكلام الّذي يليق بسماحته، والترتيب والتنسيق لهذا الكلام الّذي نريد له أن يعكس صورة هذه القامة الشامخة، ويرسم لنا كنه معرفته، ويمكّنّنا من الإهتداء إلى تأثيرها ونفوذها في النّاس، وفي الأشياء، وفي العلماء الأجلّاء، وفي الشخصيّات الحاكمة. إنّه كان كالماء والهواء لاتستقيم الحياة بدونهما، إنّه كان كالشّمس تطلع على الجميع ويستفيد منها الجميع، أي جميع الموجودات، وكان كالغيث يحيي الأرض ويسقي نباتَها، وكان كالجبال الرّاسيات ووظيفتها بالنسبة الى الأرض لا تخفى على أحدٍ ولا يمكن تصوّر الأرض بدونها، لأنّه كان وتد الأوتاد حقاً، وكان كالبحر غموضاً ورهبةً وكرماً وفوائد لاحصر لها، كان كالسّماء في الليلة المقمرة، يحلو للناس التطلّع إليها والتمتُّع بالنّظر إليها....

المعاصي هي حجابنا عن لقاء الإمام الغائب (عج)

أين ذهب أولئك الأشخاص الذين كانت لهم علاقة مع صاحب الزمان (عج)؟ نحن الذين جعلنا أنفسنا عاجزين حينما قطعنا علاقتنا مع إمام الزمان (عج)، وصرنا كالمعاديم الذين لا يملكون شيئاً، فهل كان أولئك أفقر منّا؟! إذا قلتم: إنّنا لا نستطيع الوصول إلى إمام الزمان (عج)! فجوابكم هو: لماذا لا تلتزمون بإتيان الواجبات والإنتهاء عن المحرّمات، وهو يكتفي منّا بذلك؛ لأنّ: «أورع الناس من تورّع عن المحرّمات». فترك الواجبات وارتكاب المحرّمات هو الحجاب الذي يمنعنا من لقاء إمام الزمان (عج). إذا كنّا نعلم بأنّنا في محضر «عين الله الناظرة»، فهل [سنجرؤ] ويكون لنا وجه في الاستئذان لزيارة الإمام الغائب (عج) مع كوننا نخالف طلباته الواضحة، فنترك الصلاة والصيام [مثلاً] أو تغتاب ونؤذي؟ فهل نريد منه أن يقول لنا: أبحت لكم المحرّمات وأسقطت عنكم الواجبات؟! ومقصودي ماذا سيكون لو احتفظنا بعلاقتنا مع إمام الزمان (عج) بواسطة عبوديتنا لله عز وجل؟ لا يدعنا الآخرون وإن كنّا نحن مقصّرين أيضاً، ولا نريد حفظ العلاقة معه (عج)، وإلا لو شئنا فبمقدور كل منا أن يحقق ارتباطاً به وطمأنينة في العلاقة معه ويأتي يوم نتوب فيه ونكون تابعين للإمام، وتكون عاقبتنا على خير....

الفرج الشخصي بالإرتباط به قبل ظهوره

على كل شخص أن يفكر في نفسه ويجد له طريقاً للإرتباط مع الحجّة عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وأن يعثر على فرجه الشخصي، سواء كان ظهور وفرج الإمام (عج) قريباً أم بعيداً. لم يكن المقدّس الأردبيلي والسيّد بحر العلوم رحمهما الله ـ واللذان لا يحتمل في حقّهما الكذب ـ يقبلان جملة «فعليه لعنة الله» [حول من يدعي رؤية الإمام (عج)] وكانا يقولان: إن المقصود بها هم البابيّة ومدّعي المهدوية....

بلوغ المنى ...

كان اليوم الثّاني والعشرون من شهر جمادى الأولى من سَنَة ١٤٣٠ هـ . ق قد أرّخ نهاية الانتظار، وأعلن الوصول إلى حدائق ذات بهجة، وتحقّق منية الوصال الأبديّ الّذي كان هذا الشّيخ العظيم ينتظره طول حياته الطّيبة الّتي جاوزت التّسعين. انتظارٌ سطّر به الشّيخ أجمل معاني العشق الإلهي، وروى به روايةً قد ألّف صفحاتها من آيات ومناجاة، رواية العبوديّة لربّ السّماء....