كان دخول آية الله الشّيخ البهجة إلى مدينة قم المقدّسة في شوّال عام ١٣٦٥ هـ . ق ولم تمضِ على إقامته عدّة شهور حتّى توفّيَ والدُه الرّؤوف في صفر ١٣٦٥ هـ . ق ورقد في مضجعه بعد أن اطمأنّ على مستقبل ولده العزيز محمّد تقي.
وهكذا فإن الإقامة في قم كانت مصحوبةً بحوادث مؤسفة حيث توالت الأخبار بوفاة آية الله السّيد أبوالحسن الأصفهانيّ في ذي الحجّة من عام ١٣٦٥ هـ . ق وبعدها بمدّة قصيرة وبالتّحديد في شهر ربيع الأول ١٣٦٦ هـ . ق رحل آية الله الميرزا السّيد علي القاضي (قدّس سرّه) إلى جوار ربّه، وكان قبل ذلك قد توفِّيَ كلٌ من آية الله آقا ضياء الدِّين العراقيّ والشّيخ محمّد حسين الأصفهاني الغروي (قدّس سرّهما) أيام إقامته بالنّجف الأشرف.
ولم تشأ الأقدار أن يغادر عشَّ آلِ محمّد إلى العراق بسبب بعض الظّروف الخاصّة، وممّا زاد في عزمه على الإقامة في جوار حرم كريمة أهل البيت (عليهم السّلام) ومزاولة النّشاط العلميّ في حوزتها العلميّة هو وفاة أساتذته من كبار العلماء، وممّا يجدر بالذِّكر أنَّ الحوزة العلميّة في قم المقدّسة حينها لم يكن قد مضى على تجديدها سوى ربع قرن على يد آية الله الشّيخ عبد الكريم الحائري(قدّس سرّه)، فكانت النّتيجة أن توارد رهطٌ من العلماء والمجتهدين البارزين عليها، فزاد حضور الشّيخ البهجة فيها آثاراً علميّة مشهودة، وعلى الرّغم من إحرازه لمرتبة الاجتهاد لكنّه حرص على أداء الإحترام تجاه أساتذة الحوزة العلمية في قم المقدّسة، فبدأ نشاطه فيها بحضور درس الخارج لآية الله السيّد محمد الحجّت الكوهكمري(قدّس سرّه) ، ودرس آية الله السّيد حسين البروجردي (قدّس سرّه)، وأصبح من الّذين يكوّنون عصبةً اعتُبِرت من أبرز الشّخصيّات الّتي كانت تحضر درس السيّد البروجردي، الّذي غطّت مرجعيّته الآفاق.
أما لماذا حضر الشّيخ البهجة في درس السيّد البروجردي ـ على رغم اجتهاده المطلق والتّام ومكانته العلميّة المرموقة، والّتي يشهد له بها جميع أساتذته ومن حضر درس سماحته ـ فهناك سببان: الأوّل: أنّ سماحة الشّيخ البهجة كان يقول: أنّه يجب على الطّالب إمّا أن يشتغل بالتّحصيل أو التّدريس، وحيث إنّ سماحته لم يكن لدى قدومه إلى قم مشهوراً فقرّر أن يحضر درس العلماء الموجودين في قم المقدّسة. والسّبب الثّاني: هو أنّ السّيد البروجردي طلب من الشّيخ البهجة عدّة أمور ومسؤوليّات، منها أن يكون الشّيخ البهجة من المقرّبين لدى السّيد البروجردي وخواصّه، وأن يكون من أعضاء لجنة الاستفتاءات الّتي تتألف من خواصّ العلماء، وكذلك أن يكون من ضمن اللّجنة الّتي تمتحن المجتهدين لإعطائهم إجازة الاجتهاد حسب رأي السيّد البروجردي، فما كان من الشّيخ البهجة إلّا أن رفض جميع هذه الأمور لأسبابه وشؤونه الخاصّة، فسمع سماحة الشّيخ البهجة بعدها من بعض المقرّبين من السّيد البروجرديّ[1] أنّه قال: لا تظنّوا أنّنا مقصّرون مع الشّيخ البهجة، نحن أصررنا عليه ولكنّه لا يحضر لدينا، هو يهرب منّا، نحن نطلب منه لكنّه يرفض. وعندما علم الشّيخ البهجة أنّ السيّد البروجرديّ غير مرتاحٍ فقرّر أن يطيّب خاطر السيّد البروجرديّ، وذلك بحضور بحثه الخارج، وبقي على ذلك إلى آخر حياة السيّد البروجرديّ.
وبرز الشّيخ البهجة فور وصوله كأحد أبرز الفضلاء المعروفين بطرح الإشكالات العلميّة في درس السيّد البروجرديّ. وفي هذا السّياق ينقل آية الله الحاج الشّيخ مرتضى الحائريّ (قدّس سرّه)[2]:
«إنّ سماحة آية الله العظمى البهجة في نفس السّنة الأولى لحضوره في درس آية الله العظمى البروجرديّ(قدّس سرّه) سنة ١٣٢٤ هـ. ش كان يظهر النّكات الدّقيقة والإشكالات المهمّة، ممّا جعل نظر الأُستاذ يتوجّه إليه باهتمامٍ فائق، بحيث خرج مجلس الدّرس عن حالته لعدّة أيّام، وكانت هذه الإشكالات والإجابات مفيدةً لنا جدّاً. فجأةً تغيّب سماحة آية الله العظمى البهجة عن الحضور في الدّرس، فصار آية الله العظمى البروجرديّ(قدّس سرّه) يستفسر عنه، ولكن لم يكن خبره عند أحد، إلى أن أتى سماحته بعد عدّة أيّام إلى الدّرس مشاركاً فيه وهو ساكت لا يتكلّم، ولم يكن يسأل ويجيب. ذهبنا إليه وطلبنا منه أن يتابع أسئلته وأجوبته، ولكنّه لم يقبل، فَدارَ في أذهانِنا أنّه لربّما قد أذّاه أحد، ولكن عرفنا أنّ سماحته ترك ذلك للتحرّز من الشّهرة، حيث كان قد أصبح مشهوراً بين الخواصّ والعوامّ»[3].
إلى جانب ذلك كانت لشيخنا الرّاحل نشاطات عدّة منها: بدأ بعد دخوله مدينة قم المقدّسة مباشرة بالتّدريس[4] وبعد مضيّ سنة على ذلك، شرع بتدريس خارج الفقه والأصول، واستمرّت دروسه هذه لأكثر من ستّين عاماً حتّى وافاه الأجل، ففي الصّباح كان يلقي محاضراته بتدريس خارج الفقه، وفي المساء يلقي درس خارج الأصول.
أجل فقد كان دأب سماحته الاعتذار من الدّخول في ما يوجب الشّهرة وما شابه ذلك، ولكنّه(قدّس سرّه) كان يلبّي الدّعوة في المسائل الضّروريّة الّتي تستدعي تدخّل أمثال سماحته، وهناك قضيّة تدلّ على ذلك حيث إنّه وفي أحد الأيّام طلبوا من سماحته الدّخول إلى القسم الدّاخلي من بيت السيّد البروجرديّ، وكان هناك من الأعلام العظام كآية الله الشّيخ الزّاهديّ القمّي (قدّس سرّه)، وآية الله السيّد الخميني (قدّس سرّه)، وآية الله الشّيخ كمالوَند (قدّس سرّه)، وكان أصغرهم سنّاً هو سماحة الشّيخ البهجة، وكان هناك قضيّة تتعلّق بشخصٍ ادّعى النّبوة ومسائل مهمّة أخرى، فطلب السيّد البروجردي من الحضور أراءهم حول مدَّعي النّبوة، فاتّفق الجميع على الحكم بأنّه مجنون، وتمّ الأمر، فرأى سماحة الشّيخ أنّه ليس من المصلحة إصدار حكم الجنون، فقال سماحة الشّيخ البهجة لآية الله الشّيخ روح الله كمالوَند، والّذي كان جالساً بجواره: «بالأصل هل من الصّلاح أن يكتب سماحته [السيّد البروجردي] شيئاً؟! هل من الصّلاح أن تكتب الحوزة شيئاً؟! هل الدّخول في هذه المسائل هو بصالح الحوزة؟!»
فتكلّم الشّيخ كمالوند بما قاله له سماحة الشّيخ البهجة بصوت مرتفع، في مقابل آراء جميع أولئك العظام ـ الّذين أكّدوا الرّأي السابق ـ في تلك الجلسة لم يتّخذ آية الله السيّد البروجردي قراراً نهائيّاً، ولكن عندما التقى سماحة الشّيخ بابن السيّد البروجردي سأله سماحة الشّيخ: ماذا حصل يومها؟ فقال له: إنّ السيّد البروجردي استحسن فيما بعد رأيكم في هذه المسألة، ورأى أنّه من الأصلح أن لا يتدخّل في هكذا أمور!
إن من أبرز علائم شخصيّة آية الله الشيخ البهجة هو السّعي لكي يبقى مجهولاً ولا يكون مشهوراً مطلقاً، فتراه يجهد ويصرّ أن لا يوضع له اسم أو ذِكر في أي مكانٍ، وخير دليل على ذلك أنّه امتنع من توجيه الإشكالات وإيراد النّقد خلال الدّروس الّتي كان يحضرها عند كبار الفقهاء في قم المقدّسة؛ لأنّه رأى أنّ هذه الآراء والإشكالات الّتي يوردها تثير انتباه الآخرين نحوه وتوجِّهُ الأنظار إليه، ممّا يؤدي إلى ذياع صيته[5] وهذا ما كان يفرّ منه سماحته.
وكثيراً ما كان العلماء يحضّون الطّلبة على الحضور في درس سماحته. ومن جملتهم آية الله السيّد الخميني(قدّس سرّه) الّذي كان يوصي نجله السيّد أحمد بذلك، وكذلك بعض الشّخصيّات العلميّة أمثال الشّهيد الشّيخ المطهّري(قدّس سرّه) حيث ينقل آية الله الشّيخ محمد حسن الفقيه اليزدي:
«لقد كان آية الله المطهّري عند الحديث حول درس آية الله البهجة يوصي كثيراً ويقول: يجب أن تشاركوا في درس سماحته، خصوصاً درس الأُصول»[6].
وينقل الأستاذ خسروشاهي أنّ آية الله الشّيخ مرتضى الحائري (قدّس سرّه) كان يقول:
«سأعطيكم ضابطةً، وهي أن تشاركوا في درس الشّخص الّذي لا ينقل الأقوال فقط، وإنّما يحقّق الأقوال، ويبيّن في درسه نكاتاً، الأمر الّذي هو مفيدٌ جدّاً في الإيصال إلى فعليّة ملكة الاجتهاد، مثل هذا الدّرس مفيد لكم بحيث يُخرِج ملكة الاجتهاد من القوّة إلى الفعل، ولا يكتفي بنقل الأقوال، ثم يقول الأستاذ خسروشاهي: لقد ذكرت لآية الله الحائري درس الشّيخ البهجة فقال: إنّ درس سماحته يمتلك نفس القاعدة والضّابطة الّتي قلت لكم من حيث الدّقة والمضمون، من الجيّد أن تشاركوا في درس سماحته، درس سماحته بنّاء من كافّة النّواحي، من النّاحيّة العلميّة ومن النّاحيّة الأخلاقيّة، استمرّوا في الحضور في هذا الدّرس»[7].
وحتّى في فترة تدريسه فيما بعد حرص على أن يلقي دروسه في مكان غير معروف، بل ولم يبذل أدنى جهد للتّعريف أنّه قد شرع في التّدريس. ومن جملة ممارساته وسلوكيّاته الّتي كان بواسطتها يحاول أن يبقى مجهول القدر والشّأن وبعيداً عن الصّيت والشّهرة، هو حضوره دروس آية الله الحجّت الكوهكمري وآية الله البروجردي، رغم اجتهاده المسلَّم به، وعلى الرغم من قدرته على تدريس البحث الخارج وهروبه من الشّهرة، كان يحضر لدى سماحته الخواصّ من الأفاضل، والّذين أصبح بعضهم لاحقاً من مراجع الدّين أو من كبار العلماء. وفي هذا المضمار ينقل الفيلسوف الكبير جلال الآشتياني(قدّس سرّه):
«لقد سمعنا قبل خمسين عاماً أنّ سماحة آية الله العظمى البهجة قد بدأ في تدريس البحث الخارج، عندما سمعنا بذلك سررنا كثيراً، حيث إنّنا تمكنّا من سماع النّظريات العميقة والّدقيقة لآية الله العظمى الغروي الاصفهاني الكمباني(قدّس سرّه) من لسان تلميذه، لأنّ الحوزة كانت تحتاج لشخص من هذا القبيل، بحيث يقرّر آراء ونظريّات الشّيخ الغروي ويظهرها بشكل واضح، لأنّ الكثيرين كانوا يُشْكِلونَ على الحاجّ الشّيخ [الأصفهاني]، إذ أنّهم لم يكونوا قد عرفوا أصل المطلب.
لهذا حضرنا درسه مع عدد آخر من الفضلاء، ولكن بعد شهرين من الحضور في الدّرس، رأينا أنّ سماحته وهو في هذه السنّ غير الكبيرة، ليس فقط أنّه لا يقرّر مباني المرحوم الأستاذ الغروي الأصفهاني(قدّس سرّه)، وإنّما لديه مطالب توازي تلك بنفس العمق والوزن.
كان سماحته بداية يدخل في أصل المطلب ويشير إلى آراء أُستاذه إشارة، وكان يبدأ بالتّحقيق والتّدقيق، في حين أنّنا وقتها لم نكن قد فهمنا مقصد المرحوم الأستاذ، كان سماحته لديه مطالب من نفسه بهذه الدّقة والعمق، لذلك أصبح لدينا مشكلتان [أي] عدم فهم مطالب المرحوم الكمباني(قدّس سرّه)، وأيضاً آراء سماحته[8]، بالنّهاية أجبرنا على ترك ذاك الدّرس»[9].
وينقل آية الله الشّبيري الزّنجاني أحد المراجع في مدينة قم المقدّسة:
«كنت قد شاركت لفترة قصيرة في درس سماحته أنا والسيّد مهدي الرّوحاني، كان سماحته في الدّرس دقيق النّظر جداً ... بعد الدّرس كلّما كنت أريد أن أرتّب له حذاءه كان لا يسمح لي بذلك»[10].
فكانت دروسه ذات فوائد جمّة ودقائق وظرائف علميّة استثنائيّة متميّزة، وفي ذلك يقول آية الله الشّيخ مصباح اليزدي:
«الفوائد الّتي كنّا نجنيها في درس سماحة الشّيخ كانت أكثر من الدّروس الأُخری[11]. إنّ آية الله سماحة الشّيخ البهجة هو جامع تدقيقات المرحوم الشّيخ محمّد تقي الشّيرازي (قدّس سرّه) (عن طريق أبرز تلامذته الشّيخ محمّد كاظم) وكذلك جامع ابتكارات المرحوم النّائيني (قدّس سرّه) والمرحوم الشّيخ محمّد حسين الإصفهاني (قدّس سرّه)، وجامع تربية المرحوم السيّد علي القاضي (قدّس سرّه). هذه الشخصيّات العظيمة كانت سبباً في تشكيل شخصيّة هذا الإنسان العظيم الّذي جمع الكثير من الخصال العظيمة من هؤلاء الأساتذة، وهذا الإنسان هو نعمة عظيمة علينا في هذا العصر وفرصة ثمينة للنّاس، لكي يستفيدوا من جميع لحظات عمره الشّريف»[12].
وينقل آية الله الشّيخ محمّد حسن أحمدي الفقيه اليزدي:
«كان سماحته يعطي درسه بشكل مضغوط جداً، فدرس سماحته له حكم خارج الخارج، أقصد هذا، أنّه كان لديه مباني العلماء العظام كالميرزا النّائيني، والشّيخ محمّد حسين، والآقا ضياء، حيث كان يشير إشارة قصيرة لمبانيهم، ثمّ يقرّر ويرسّخ مبانيه».
وينقل آية الله الشّيخ محمّد حسين أحمدي الفقيه اليزدي:
«إذا أردنا أن نتوجّه مع العناية الخاصّة إلى الجنبة العلميّة لسماحته، الخصائص الّتي هي موجودة في درس سماحته والّتي تنشأ من ناحية فكر سماحته، وتبيّن هذه المسألة بشكل جيّد، لأنّ سماحته يعنون كلّ مسألة أو فرع فقهيّ بعد الالتفات إلى الأشياء الدّقيقة في الآية والرّواية الّتي لها دلالة على هذا البحث، يقايس بين ذاك البحث وبقيّة الأبحاث المشابهة، وبعد التّدقيق العقليّ والفكريّ الخاصّ في التّعادل بين المباحث، إنصافاً كان سماحته يصل لنتيجة علميّة جديدة بفراسة وتفكّر واجتهاد خاصّ.
وبالأساس فإنّ اعتقادنا نحن الشّيعة هو أنّ كلّ مجتهد يمتلك حذاقة وفطانة، ويدقّق في معاني ومطالب الرّوايات، بالحدّ والعظمة الّتي نعلمها الأقرب للأئمّة (عليهم السّلام). وبالفعل كنّا نرى أنّ سماحته يجزّئ المباحث ويحلّلها بنظره وفكره الخاصّ، الاجتهاد الصّحيح في الواقع هو هذا، حيث إنّ المجتهد بعد أن يلاحظ شأن نزول الآيات وشأن صدور الرّوايات والأحاديث، وبأفق عالٍ يدقّق تلك الدّقّة، كأنّه يلمسه ويضع نفسه في متن الحادثة الّتي يبحثها، يقايس زمان نزول الآيات وصدور الأحاديث مع الزّمان، بعدها يرى ما هو المراد الإلهيّ واقعاً، وكذا رضا الله سبحانه في هذا المورد مع الالتفات إلى مجموع أوامر الشّرع الإسلاميّ.
وهذا مبنى مهمّ للاجتهاد، ونحن قد شاهدنا ذلك بوضوح في أبحاث سماحته، وأنا أعتقد أنّه إذا لم يصل المجتهد إلى هذا المقام، لا يستطيع أن يفتي ويبيّن نظره، بل إنّ المجتهد وفوق امتلاكه للعدالة والاجتهاد، يجب أن يحوز هذه الملكة، بنحوٍ يستطيع أن يمتلك رؤية دقيقة ونظراً عميقاً معنويّاً إلى مجموع أحكام الإسلام ونظريّاته، وأن يتمكّن من بيان فتواه ونظره في مورد البحث، وفي نظري هذه الحالة موجودة في الشّخصيّات الّتي تربّت على أيدي الأئمّة (عليهم السّلام).
وهذه الخصوصيّة ظاهرة بوضوح في شخصيّة الشّيخ البهجة الجذّابة، فكلّ شخص يشارك في درس سماحته لفترة ويتعرّف على سماحته من قرب، يرى ذلك من استنباطات واجتهادات سماحته. والنّظر الاجتهاديّ العالي يتطلّب رؤية ما وراء الأحاديث والرّوايات، وأن يرى مبنى الإسلام الأساسي والحركة التّربويّة لأحكام الإسلام، وهذه الرّؤية هي فوق ملكة الاجتهاد والعدالة و.... ونحن كنّا قد رأينا هذه الميزة خصوصاً في شخصيّة سماحة الشّيخ البهجة»[13].
ويضيف آية الله الشّيخ محمّد حسين أحمدي الفقيه اليزدي:
«هذه خصوصيّة عظيمة قد رأيناها في شخصيّة الشّيخ البهجة، حيث كان يمتلك تلك الملَكَة الكاملة والعالية، وكان يتمكّن بنظر سامٍ وأفقٍ عالٍ أن يعي آثار الوحي ويظهر اجتهاده العميق»[14].
ويقول آية الله الأمجد:
«إنّ درس الشّيخ البهجة مفيد للمجتهدين الّذين حصلوا على الاجتهاد من دروس سابقة، والآن يريدون الحصول على الفوائد الجمّة الّتي تخصّ المجتهد».
نعم، فلقد كان سماحته نبراساً في العلم والفهم لكلام المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولكن لم يكن درس سماحته مقتصراً على الفقه والأُصول، وإنّما كان يتضمّن في طيّاته ذكر معارف جمّة ومطالب مهمّة، لا غنى عنها بل كان يدرأ عن أذهان الآخرين الشّبهات بواسطة فطانته وكياسته. وفي هذا ينقل آية الله الشّيخ مصباح اليزدي:
«كما ذكرنا سابقاً أنّه من صفات سماحته أنّه عندما كنّا نحضر درسه كان قبل شروع الدّرس يروي حديثاً أو ينقل قصّة تاريخيّة، وكان في بعض الأحيان موضع تعجّبٍ لدينا، وذلك عندما كان يؤكّدُ ويُصرّ على مطالب بديهيّة ومعلومة، ومن جملة هذه المطالب مسألة إمامة أمير المؤمنين (عليه السّلام) فقد كنّا نستغرب من تأكيده على هذا المطلب، لأنّه لا شكّ ولا شبهة لدينا في هذا الموضوع ولا داعي لأن يذكر ويكرّر لنا أدلّة إمامة أمير المؤمنين (عليه السّلام)، على كلّ حال كنّا نتساءل أنّه لماذا يطرح سماحته علينا هذا الموضوع بدل أن يذكر لنا الأمور الأخلاقيّة والمعنويّة الّتي نحن بحاجة إليها أكثر، لكن بعدما وصلنا إلى سنّ الخمسين والستّين رأينا في كثيرٍ من الموارد أنّ هذه المباحث الّتي كان يطرحها علينا سماحة الشّيخ قبل أربعين سنة حول موضوع إمامة أمير المؤمنين (عليه السّلام) إنّنا بحاجة إليها، لقد كان سماحة الشّيخ يعلم بأنّ هذه الأمور ستصبح موضع شكٍّ وغفلةٍ في هذه الأيّام، وأنّنا سنحتاج إلى تلك الملاحظات والنّصائح في ذلك الباب، لهذا كان يهيِّئنا منذ ذلك الزّمن لمثل هذه الأيّام، وربّما لولا توصياته هذه لم نكن لنفكّر أصلاً في أن نبحث ونطالع في هذه المسائل»[15].
فقد كانت هذه الاستدلالات والنّتاجات على درجة من الدّقة والعمق، بحيث إنّ آية الله الشّيخ مصباح اليزدي يقول:
«لقد استعملت هذه النّتاجات في كتاباتي حول المسائل العقائديّة وغيرها»[16].
ينقل آية الله الشّيخ الگرامي:
«و أنا أكّدت مراراً على الطّلاب فيما سبق، وحتّى قبل أن يشتهر سماحة الشّيخ في المرجعيّة، أن يستفيدوا من سماحته. هذه الأمور أشبَه بالتّاريخ المتحرّك وتزول مع مرور الوقت، ويجب أن يكون هناك محفوظاتٌ كثيرة لسماحة الشّيخ وعلينا أن نستفيد منها. لساننا عاجزٌ عن بيان الدّرجات الحقيقيّة لهذا الشّيخ العظيم، حقيقته ومعنويّته تُدرَكُ ولا توصف!»[17].
وينقل أيضاً آية الله الشّيخ المصباح اليزدي:
«عادةً كنّا نحضر إلى درس سماحته قبل الموعد بقليلٍ حتّى نتشرّف بخدمته، ومن أجل أن نستفيد من سماحته ومن المطالب الأخلاقيّة الّتي يطرحها، من جهته كان يحضر أيضاً قبل موعد الدّرس بقليل وكان يجلس في غرفة الدّرس، وكان غالباً بل دائماً ما يقَدّم النّصائح والإرشادات بطريقةٍ غير مباشرة، بمجرّد ما كان يجلس كان ينقل روايةً أو قصّة تاريخيّة، لكن مناسبة هذا الحديث أو ذكر تلك القصّة التّاريخيّة تتماشى مع تصرّفاتنا في اليوم الماضي، كأنّه ينقل حالاتنا نحن، أو إذا كان هناك نقصٌ أو خللٌ في تصرّفاتنا كان يلفت انتباهنا إليه من خلال حديثٍ أو قصّةٍ تاريخيّة. وهذا أمرٌ قد لاحظه سائر الزّملاء بمناسبة ما، وكانوا يقولون: إنّ سماحة الشّيخ يذكر لنا مطالب تنطبق على حياتنا اليوميّة بالضّبط، وبذكر هذه القصّة أو هذا الحديث يحلّ مشاكلنا اليوميّة، أو إذا كان لدينا قصور أو اشتباه يلفت انتباهنا. هكذا كان أسلوب سماحته في إرشاد الآخرين، ولم يكن يقول لهم بشكل مباشر: اعملوا كذا، أو لا تعملوا كذا، أو قمتم بالعمل السيّء ذاك، بل كان يلفت انتباههم إلى نقص عملهم فقط، من خلال الأحاديث والقصص والحوادث التّاريخيّة، ويلفته ليصلح نفسه»[18].
أمّا عن نهج سماحته في التّدريس فقد كان يحفّز الطّالب على تحريك ذهنه أكثر والتّفكير في المسألة بنفسه ممّا يجعل المستمع يفكّر بالمسألة، وهذا ممّا يذعن به من حضر درس سماحته من العلماء، ولهذا فإنّ درسه كان مفيداً للمجتهدين وليس لمن شرع لتوّه في البحث الخارج. وفي هذا السّياق ينقل آية الله الشّيخ المصباح اليزدي:
«لقد استفدنا من درسه فوائد قلّما تحصل في دروس أخرى، كان في البداية يطرح المسألة من كتاب الشّيخ الأنصاري (قدّس سرّه)، ثمّ ينقل آراء الآخرين حول هذه المسألة، خاصّة في المسائل الّتي كانت موضع توجّه صاحب الجواهر (قدّس سرّه)، وفي بحث الطّهارة يطرح رأي المرحوم الحاج آقا رضا الهمداني(قدّس سرّه)، ثمّ بعد ذلك كان يُبدي رأيه الشّخصي في المسألة. هذه الطّريقة في التّدريس كانت مفيدةً جداً. فمن جهةٍ كانت تُطلع الآخرين على آراء العلماء الكبار في الموضوع، ومن جهةٍ أخرى كانت توفّر الكثير من الوقت، وربّما طرق تدريس الأساتذة الآخرين كانت مفيدة أكثر للطّلبة المبتدئين من حيث إنّها كانت تتناول آراء كلّ أستاذٍ على حدة، ولكنّ تناول المباحث بهذه الطّريقة يستغرق الكثير من الوقت، وأحياناً يؤدّي إلى تكرارها. وهناك نقطة مهمّة أُخری، وهي أنّ الملاحظات الّتي كان يطرحها سماحة الشّيخ أثناء درسه هي ملاحظات قيّمة وعميقة ودقيقة جدّاً، ومنقطعة النّظير»[19].
وينقل آية الله الشّيخ الگرامي:
«في أحد الأيّام حضرت أيضاً في درس الخارج عند سماحة الشّيخ، وكنّا في ذلك الوقت نحبّ طريقة التّدريس الّتي كانت تُطرَحُ فيها المطالب أوّلاً ثمّ يُشكِلُ عليها بشكل: أوّلاً وثانياً وثالثاً. عندما ذهبت إلى درس سماحة الشّيخ، كان متربّعاً على الأرض وأمامه كتابٌ مفتوح (كتاب المكاسب على الظّاهر) وطرح مسألةً ثمّ قبض على لحيته ثم استطرق إليها بأسلوبٍ تساؤليٍّ واحتماليّ ، وبعد ذلك سكت قليلاً. في البداية لم تعجبني هذه الطّريقة لكنّني عرفت فيما بعد أنّه بهذه الطّريقة يحفّز الطّالب على تحريك ذهنه أكثر، والتّفكير في المسألة بنفسه، وبرأيي هذه طريقةٌ جيّدةٌ لجعل الطّرف المخاطب يفكّر بالمسألة ويخرج عن كونه مستمعاً فقط»[20].
وينقل أيضاً آية الله الشّيخ المسعودي الخميني:
«يختلف درس الخارج عند سماحته عن سائر الدّروس، لأنّني حضرت مدّةً في درس آية الله البروجردي (قدّس سرّه)، وحضرت في درس الإمام الخميني (قدّس سرّه) بشكل دائم، وحضرت تقريباً سنتين في درس آية الله الگلپايگاني، وأيضاً حضرت مدّةً قصيرةً في درس آية الله بهاء الدّيني(قدّس سرّه). أكثر الأساتذة في درس الخارج يطرحون المسألة أوّلاً، ثمّ يقومون بذكر آراء الآخرين، يقولون على سبيل المثال: يقول الشّيخ الطّوسي (قدّس سرّه)كذا، ويقول العلّامة الحليّ (قدّس سرّه)كذا، ويقول صاحب الجواهر(قدّس سرّه) كذا، ويقول أستاذنا هكذا. ثمّ يقومون بنقد الأقوال، وفي النّهاية يؤيّدون قولاً واحداً منها أو يطرحون رأياً جديداً، ويقومون بشرحه. لكن على عكس الجميع فإنّ سماحة الشّيخ البهجة لا ينقل الأقوال، بل يذكر المسألة ثمّ يبيّن طريقة استدلاله، وبهذه الطّريقة يتوجّه المرء إلى أنّ هذا الدّليل يمكن أن يكون قد طرحه الأستاذ الفلاني، طبعاً إذا قام الطّالب بتحضير الدّرس من قبل وكانت تصوّراته الذّهنيّة جيّدة، فإنّه عندما يستمع درس سماحة الشّيخ يفهم جيّداً أنّ سماحته قد نقل رأي أيّ عالمٍ أو على أيّهم قد أشكَل، أو قول من قد أيّد. طبعاً كما ذكرت يجب أن يكون الطّالب منتبهاً جيّداً، والسّبب في كون عدد الطّلاب الّذين يحضرون درس سماحة الشّيخ قليلاً عادةً، هو أنّه يجب على الطّالب أن يطالع جيّداً وبدقّة قبل الدّرس وبعده أيضاً، ويفكّر جيّداً بكلام سماحته كي يفهم أيّ قولٍ اختاره سماحة الشّيخ أو [أيّها ] ردّه، أو إذا ما كان قد طرح رأياً جديداً.
على صعيد الاستدلال والفهم الفقهي فإنّ لدى سماحته رتبةً عالية جدّاً. وعلى الرّغم من أنّه كان تلميذاً للمرحوم الغرويّ الإصفهاني، لكنّه كما ذكرت كان له أسلوب خاصّ به في التّدريس»[21].
وينقل آية الله الشيخ محمود أمجد:
«لقد كان سماحته في الأُمور العلميّة أيضاً في الأفق الأعلى، فقيهاً عظيماً جدّاً، وأعتقد أنّه يجب على المجتهدين أن يشاركوا في درس سماحته، حتّى يأخذوا النّتاج العلميّ ، والحقّ هو هذا، إنّ درس الخارج يجب أن يلقيه أمثال الشّيخ البهجة، لا الّذين يكتفون بنقل الأقوال وحسب، وفي عقيدتي أن سماحته لا نظير له في العلم»[22].
وقد كان يلقي دروسه هذه في حجرة إحدى المدارس بعيداً عن الأضواء وطلب الصّيت والشّهرة. ثمّ اتّخذ من بيته مقراً للتّدريس على الرّغم من بساطته إلا أنّه وبعد إلحاح تلامذته الشّديد وافق على أن يكون محلّ دروسه مسجد الفاطميّة الّذي كان يؤدّي فيه صلاة الجماعة، وكانت سنة الانتقال ١٤١٨ هـ .ق، وهكذا استمرّ في إلقاء الدّروس في ذلك المسجد حتّى نهاية عمره المبارك.
[1] كان آية الله السيّد البروجرديّ (قدّس سرّه) يعظّم آية الله الشّيخ البهجة (البالغ مناه) كثيراً و يحترمه، بحيث إنّه كلّما كان يلتقي به في الطّريق كان يأمر بإيقاف العربة الّتي يركبها كي يسلّم على الشّيخ البهجة ـ على الرّغم من أنّ سماحة الشّيخ كان لا يزال شابّاً ـ و يدعوه للصّعود معه في العربة لإيصاله إلى مقصده، كما قد دعا سماحة الشّيخ البهجة لمجالات علميّة شتّى تجعله أقرب إلى زعيم الشّيعة حينها، و لكن كان جواب سماحته: «أنا معذور!».
[2] نجل آية الله الشّيخ عبد الكريم الحائري (قدّس سرّه) مؤسّس الحوزة العلميّة في مدينة قم المقدّسة.
[3] ينقل آية الله الشيخ المصباح اليزدي: «منذ أن بدأ المرحوم آية الله البروجردي (قدّس سرّه) تدريسه في قم المقدّسة كان الشّيخ البهجة من طلبته المتفوّقين و المُناقشين [المشكلين] المعروفين و البارزين في درسه، لأنّه في دروس الخارج عادة ما يكون هناك طالبان أو ثلاثة ممّن يجدّون و يسعون أكثر من البقيّة في ضبط المطالب و فهمها و طرح الإشكالات الّتي تخطر في بالهم أحياناً ليتمّ حلّها كاملاً، و كان الشّيخ البهجة يملك تلك المكانة الخاصّة في درس المرحوم آية الله السيّد البروجردي (قدّس سرّه). طبعاً نحن في ذلك الوقت ما كنّا قد أدركنا درس السيّد البروجردي، لكن الشّيخ البهجة كان من أحد الأفاضل البارزين في درس المرحوم السيّد البروجردي(قدّس سرّه)». فريادگر توحيد، ص ٤٥.
وينقل آية الله الگرامي القمّي: «عندما جاء سماحة الشيخ البهجة إلى مدينة قم حضر دروس سماحة السيّد البروجردي. لم يكن سماحته من أولئك الّذين يشكلون في الدّرس، لكن في أحد الأيّام في درس الأصول عند سماحة السيّد البروجردي الّذي كان يقام في مسجدٍ يسمّى «عشق علي» طرح سماحة الشّيخ البهجة إشكالاً و الجميع كان يقول حينها: إنّه كان إشكالاً جيّداً لكنّهم قالوا بعدها: إنّ سماحته لم يكمل إشكاله تهرُّباً من الشّهرة. لكن على كلّ حال له نظريّاتٌ قويّة، و تميّزه في الفقه و الأُصول بارزٌ لدى الأعيان».
[4] ينقل آية الله الشيخ المصباح اليزدي: «إنّ أوّل ما جلب توجّهنا إلى سماحته هو جاذبيّته المعنويّة و الروحانيّة، لكن بالتّدريج رأينا أنّ سماحته حتّى من النّاحية العلميّة و الفقهيّة هو صاحب درجة عالية جدّاً. و كان هذا السّبب الّذي جعلنا نسعى أن يكون لنا درس في محضره، من أجل أن نستفيد من معلومات سماحته العلميّة و حجّة للكون في محضره لنستفيد من كمالات سماحته المعنويّة و الروحانيّة أيضاً. و لذلك بدأنا لدى سماحته بكتاب الطّهارة مع مجموعةٍ من الأصدقاء. في البداية كان الدّرس في إحدى غرف مدرسة الفيضيّة ثم انتقل بعدها لمدّة سنتين إلى مدرسة خان الّتي سُمِّيت باسم المرحوم آية الله البروجردي. و بعد ذلك ازداد ضعف مزاج سماحته فكنّا نحضر بخدمته في منزله». فريادگر توحيد، ص ٤٦.
[5] ذكر المرحوم آية الله الشّيخ مرتضى الحائري (قدّس سرّه) في هذا الخصوص قائلاً: «كان الشّيخ البهجة يجذب انتباه الأستاذ و يعطف ذهنه إليه نتيجة ما يبديه من آراء رصينة و إشكالاتٍ مهمّة جدّاً، ممّا كانت تسبّب خروج الدّرس من حالته المألوفة عدّة أيّام بحثاً و مناقشةً لها و فائدةً لنا، لكنّه أمسك عن ذلك فيما بعد ولم يبد الانتقاد هروباً من الشّهرة».
[6] بهجت عارفان در حديث ديگران، ص ١٥٣.
[7] برگي از دفتر آفتاب، ص ٥١.
[8] ينقل آية الله الشّيخ المسعودي الخميني: «على صعيد الاستدلال و الفهم الفقهيّ فإن لدى سماحته رتبةً عالية جدّاً. و على الرّغم من أنّه كان تلميذاً للمرحوم الغرويّ الإصفهاني لكنّه كما ذكرت كان له أسلوب خاصّ به في التدريس». بهجت عارفان در حديث ديگران، ص ١٠٨.
[9] فريادگر توحيد، ص ٢٩.
[10] نكته هاي ناب، ص ٩٣.
[11] من الجدير بالذّكر أنّه ينبغي معرفة أنّ صاحب هذه الكلمات، أيّ دروس كان يحضر، و لدى أيٍّ من الأساتذة المعروفين، و مع ذلك يقول: «الفوائد الّتي كنّا نجنيها في درس سماحة الشّيخ كانت أكثر من الدّروس الأُخری!». و هذا يجب التّأمّل فيه بشكل دقيق، إذ أنّ هذا ممّا يدلّ أنّ درس سماحته كان ذا فائدة للمجتهدين و ليس للطّلبة المبتدئين في بحث الخارج.
[12] فريادگر توحيد، ص ٥٩.
[13] بهجت عارفان در حديث ديگران، ص ١٤١.
[14] بهجت عارفان در حديث ديگران، ص ١٤١.
[15] فريادگر توحيد، ص ٧٣.
[16] فريادگر توحيد، ص ٧٣.
[17] بهجت عارفان در حدیث ديگران، ص ٩١.
[18] بهجت عارفان در حديث ديگران، ص ٦٥؛ فريادگر توحيد، ص ٥٦.
[19] بهجت عارفان در حديث ديگران، ص ٥٤.
[20] بهجت عارفان در حديث ديگران، ص ٨٤.
[21] بهجت عارفان در حديث ديگران، ص ١٠٨.
[22] برگي از دفتر آفتاب، ص ٤٩.