الكلمة الخامسة

بسم الله الرحمن الرحيم 

السّادة مادحو وذاكرو أهل البيت (عليهم السلام) الّذين هم مبتلون بهذا الشغل وهذا العمل، [عليهم] أن يشتغلوا بمدح أهل البيت (عليهم السلام)بذكر فضائلهم ومطاعن أعداء أهل البيت(عليهم السلام) والمصائب الّتي أوردوها عليهم. جميع هؤلاء [المادحين] يجب أن يعرفوا في أيّ موقف هم؟ وأيّ عمل يعملون؟ من أجل ماذا يقومون بهذه الأعمال؟ يجب أن يعلموا أنّهم يزاولون إنجاز المودّة لذوي القربى الّتي وردت في القرآن الكريم. سواء بذكر فضائل أهل البيت (عليهم السلام) أو بذكر مصائبهم؛ كلّ ذلك هو أداء لأجر الرسالة، [هذا العمل هو] تثبيت النّاس على القرآن.

لماذا؟ [لأنّه] ورد في القرآن: « إِلَّا المَوَدَّةَ فِي القُربَى »[2].

إن قال شخصٌ: «نحن نريد القرآن ونتمسّك به، لكن لا شغل لنا بأهل البيت؟ أي عمل لدينا مع أهل البيت! حسبنا كتاب الله!»، نقول: [أيمكن] أن تقبل بكتاب الله الّذي فيه: « إِلَّا المَوَدَّةَ فِي القُربَى »[3] ولكن تقول: لا شغل لنا بأهل البيت!؟ كتاب الله الّذي فيه تلك الآية: « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي »[4] وأنتم تتلونه أيضاً، هل يتحقّق الإكمال من دون ولاية أهل البيت (عليهم السلام)؟ في القرآن الّذي تقولون: «إنّنا نقبله!»» يوجد آية: « إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»[5]، أم أنّه لا يوجد في قرآنكم هذه الآية؟! بلى، إذا لم تكن هذه الآيات في قرآنكم، يمكن أن تقولوا: «نحن نتمسّك بالقرآن!»، لكن القرآن الّذي غير موجود فيه هذه الآيات!!

إذن يجب أن نعلم أنّ هناك واجباً كبيراً على عاتق الجميع، المعلمين من خلال التعليم، وعلى المادحين أن يُفَهِّموا الناس بالعمل، أنّه لا يجوز رفع اليد [التخلي] عن محبّة أهل البيت (عليهم السلام). كلّ شيء هو في المحبّة، إذا كنّا نملك شيئاً فهو من المحبّة!

اذا كنّا نحبّ الله تعالى، هل يمكن أن لا نحبّ أحباءه؟ هل يمكن أن لا نحبّ الأعمال الّتي يحبّها؟! هل يمكن أن يكون شخص يحبّ الله، ولا يكون محبّاً لأولياء الله؟ أن يحبّ الأعمال الّتي يبغضها الله؟ هل هذا الشيء ممكن؟! بشكل قهريّ الشخص الّذي قال: «حسبنا كتاب الله!» [يقول]: لا، لا يلزم الوصيّة، ولا أيّ شيء آخر! [هذا الكلام] كذب واضح وجليّ! كما لو ادّعى في النّهار أنّه الآن ليل، أو يقول في اللّيل أنّه الآن نهار. فكتاب الله مليء من: « وكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ »[6]وأمثالها، كتاب الله الّذي جعل المتّقين والفاسقين في صفَّين، انظروا مَن هم المتّقون؟ من هم الفاسقون؟ من هم الصادقون؟ من هم الكاذبون؟

هل يمكن التفكيك؟ هذا مثل ما أن يقولوا: «نقبل نصف القرآن ولا نقبل النصف الآخر»[7]، كما أن النصارى واليهود قبل ثلاثمائة سنة كانوا قد أخذوا العهد من أصدقائهم على وجوب حذف لعن اليهود والنصارى من القرآن، وأن لا يكون في القرآن شيءٌ آخر غير عبادة الله!

هل الشيء الّذي ننصّفه هو القرآن[8]؟ إذن [محتمل أن يقولوا]: [حتّى] عبادة الله أيضاً، وجودها في القرآن غير لازم، بل فقط هذا، أن لا يقتل الإنسان أحداً، لا يضرب أحداً، [هذا كافٍ]!! عبادة الله أيضاً غير لازمة!! عبدة الأوثان يقولون أيضاً: «نحن أيضاً عندنا نكاح، عندنا سفاح، عندنا أكل أموال الناس [غير مسموح]، و...، بالنهاية هم معتقدون بأشياء، أمّا أنه يكون الله واحداً، فلا!

هذه [الأصنام]: « شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ »[9] . لو كان الأمر مبنيّاً على التبعيض [الأخذ بالبعض دون البعض]، فأكثر الناس لا يعبدون الله، أكثر الناس عبدة الأصنام. دين الله لا يتبعض، إمّا أن تأخذ به كلّه، أو لا تأخذ بأيّ شيء منه.

في زمن كان هناك رجل طالح، أوصى أولاده عند موته بأنه: «يا بنيَّ، هؤلاء الّذين يدعونكم لعبادة الله والتديّن، أنكروا [عليهم] أقصى ما تستطيعون، إذا غُلبتم أمام من يدّعي أن هناك إله، لن تأمنوا من شرّهم بعدها، إذن يجب أن تتبعوا هؤلاء إن قالوا لكم: على المرأة أن تتوضأ بغسل اليد من باطنها والرجُل من ظاهر اليد، بعد هذا لا تستطيعون أن تخالفوهم، وسيستمرّ هذا المطلب حتّى النهاية!»

إذن بشكل قهري هؤلاء الّذين يقولون: أيُّ شيء هذه المراثي؟ ما هي قراءة المصائب ؟ ما هو إنزال الدموع ؟ هم حمْقى إلى حدّ أنّهم لا يفهمون أنّ هذه الدموع كانت منهج جميع الأنبياء (عليهم السلام) شوقاً للقاء الله، لتحصيل رضوان الله، ومسألة أولياء الله أيضاً من هذا الباب، فإن أجرت محبّتهم الدموع ـ في فرحهم أو في مصيبتهم وحزنهم ـ هي من هذا القبيل [مثل البكاء شوقاً وخوفاً من الله].

يوجد أدلّة كثيرة [على ذلك]: الأوّل: إنّ جميع الأنبياء (عليهم السلام) كان لهم بكاء من خشية الله تعالى. أفلم يبكوا شوقاً إلى لقاء الله عزّ وجلّ؟! عمل الأنبياء كان نفس هذا. فإنْ كان الإنسانُ يقبل أنبياءَ الله(عليهم السلام) يجب أن يقبل بكاءهم أيضاً.

 

[ثانياً]: وكذلك [من الأدلّة على هذا المطلب] هذا الموضوع، أنّه ورد [في الروايات]، وهو منصوص وثابت، في إذن دخول حرم سيّد الشهداء (عليهم السلام) [أن يقول الزائر]: «أأدخل يا الله، أأدخل يا رسول الله، أأدخل ...» ويُستأذن من جميع الأئمة (عليهم السلام). (ثم في تتمة الرواية أنّه): «فإن دمعت عينُك فتلك علامة الإذن» فإذا جرى الدمع من العين فهذا معنى أنهم قد أذنوا لك!

فهذه الدموع مرتبطة بأعلى علّيين. لكن أين من يفهم هذا المعنى؟ من الّذي يكون عاقلاً؟!

أمّا الجهَلة فيقولون ما هذه الدموع؟ ـ والعياذ بالله ـ إنّها خرافات! ما هي هذه الأمور؟ لكنّ الدموع مرتبطة بما هو «عالٍ!». فلقد ورد في عمل «أم داوود»، الّذي هو مفصل إلى درجة أنّه لا يمكن للبعض إتمامه من الظهر إلى الغروب [جاء فيه]: إنّه اِسعَ في السجدة الأخيرة منه لإجراء دمعة من عينك[10]، فإن نزلت فهي علامةٌ أنه استجيب دعاؤك!

عجباً، أنتم تقولون: «هذه الدموع لا دور لها!». كلّا، هذا خطأ محض! هذه الدموع مرتبطة بأعلى عليين، من هنالك تستأذِن، من هنالك تطلب إجابة الدّعاء!

فعلى هذا، على طلاب الحاجات المهمّة أن يأتوا بواحدة من هذه الصّلوات أو العبادات المذكورة للحوائج، وإن أرادوا أن يثبّتوا ويؤيّدوا ويصلوا إلى حاجتهم دون شكّ، [فلـ] يلتفتوا أن بعد طلب الحاجة والصّلوات والدّعوات، أن يسجدوا ويجتهدوا في السّجود أن تبتلَّ أعينُهم ولو بمقدار جناح بعوضة، هذا علامة أنه قد تمّ المطلب!

لكن هنا شيء ينبغي أن يُلتفت إليه وهو أن نظّاراتنا ليست نقيّة جيداً، نحن [الّذين] لا نفهم! فرضاً نحن نريد بيتاً من الله فلم يرَ الله عزّ وجلّ ذلك بمصلحتنا، فماذا يصنع تعالى؟ هل يبطل دعاؤنا؟ كلا، بل يعطينا ما هو أعلى من البيت؛ يقول للمَلَك: أضف على عمر هذا الشخص بضع سنين! لكنّ المسكين يتصوّر أنّه بعد كلّ هذا العناء، بالنهاية، لم ير أثراً للبيت ولدعائه، لم يستجب دعاؤه، لكن لا يدري أنّه قد أعطوه ما يفوق استجابة هذا الدّعاء، لكن هو لا يفهم!

يجب أن نحسن الظنّ بالله تعالى، يجب أن تكون النّظارات واسعة ونقيّة، لا يكون فيها كدَر!

نستودع ونسترعي الكلّ بالله للتثبيت في هذا الأصل الأصيل الّذي هو مودّة ذي القربى مع كافّة لوازمها، إلى النهاية [و] أن نكون ثابتي القدم، إن شاء الله.

 

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

[1] ألقى سماحته هذه الكلمة في إحدى الزيارات التي قام بها المادحون للاستفادة من إرشادات سماحته.

[2] سورة الشورى، الآية ٢٣.

[3] سورة الشورى، الآية ٢٣.

[4] سورة المائدة، الآية ٣.

[5] سورة المائدة، الآية ٥.

[6] سورة التوبة، الآية ١١٩.

[7] نؤمن ببعض الكتاب و نكفر ببعضه الآخر.

[8] إشارة إلى قرارهم بحذف بعض الآيات التي تحض على جهادهم (الكفّار) و الإبقاء على الآيات التي تشتمل على العبادة فقط.

[9] سورة يونس, الآية ١٨.

[10] حتّى و لو دمعة واحدة.