الحمد لله وحده، والصّلاة على سيّد أنبيائه وعلى آله الطّيبين، واللّعن على أعدائهم أجمعين.
جماعة من المؤمنين والمؤمنات يطلبون النّصيحة، وترد إشكالات على مطالبتهم هذه، منها:
١ـ إنّ النّصحية تكون في الجزئيّات، والموعظة أعم من الكليّات والجزئيّات، فمن لا يعرف بعضهم بعضاً لا يتناصحون.
٢ـ «من عَمِلَ بِما عَلِم ورّثة الله عِلْمَ ما لم يَعْلَم»[1]
ـ «[من عَمِلَ بِما عَلِم] كُفِيَ ما لم يعلم»[2]
ـ «و الذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا»[3]
اعملوا بما تعلمون واحتاطوا فيما لا تعلمون إلى أن يتّضح أمره. فإن لم يتّضح فاعلموا أنّكم قد جعلتم بعض ما تعلمون تحت أقدامكم [أهملتموه]. طلب الموعظة من غير العامل محل اعتراض.
ومن المقطوع به أنّكم قد سمعتم بعض المواعظ وعلمتم بها، وما عملتم بها، وإلّا لكنتم على ضياء.
٣ـ الجميع يعلمون أنّ عليهم أخذ الرسالة العمليّة، وأن يقرؤوها وأن يفهموها، وأن يطبّقوا العمل وفقاً لها، وأن يميّزوا الحلال والحرام بواسطتها. وكذلك الأمر بالنسبة للمدارك الشرعية إن كانوا من أهل الاستنباط؛ إذن لا يمكنهم أن يقولوا: إننا لا نعلم ماذا نعمل وماذا لا نعمل!
٤ـ انظروا إلى أعمال من تعتقدون بهم، فما يعملونه عن اختيار فاعملوه، وما لا يعملونه عن اختيار فلا تعملوه، وهذا من أفضل السبل للوصول إلى المقاصد العالية «كونوا دعاة الى الله بغير ألسنتكم»[4]، والمواعظ العملية أرقى وأشدّ تأثيراً من المواعظ القولية.
٥ـ من الواضحات أنّ «قراءة القرآن في كلّ يوم»، و«الأدعية المناسبة للأوقات والأمكنة»، في التعقيبات وغيرها، و«كثرة التردّد إلى المساجد والمشاهد المشرّفة» و«زيارة العلماء والصلحاء ومجالستهم» [هي كلّها] ممّا يرضاه الله ورسوله، ويجب أن يراقب [الإنسان] ازدياد البصيرة والأُنس بالعبادة والتلاوة والزيارة يوماً بعد يوم.
وعلى العكس، فإنّ كثرة «مجالسة أهل الغفلة» تزيد قسوة القلب وظلمته، وتسبب الوحشة من العبادات والزيارات، ولهذا تتبدّل الأحوال الحسنة الحاصلة من العبادات والزيارات والتلاوات، بسبب مجالسة ضعفاء الإيمان إلى سوء الحال والنقصان، فمجالسة ضعيف الإيمان ـ في غير الاضطرار ومن دون قصد هدايته ـ تسبّب فقدان الملكات الحسنة، بل إنّه يكتسب أخلاقهم الفاسدة:
«جالسوا من يذكّركم الله رؤيته، ويزيد في علمكم منطقه، ويرغّبكم في الآخرة عمله»[5]
٦ـ من الواضحات أن «ترك المعصية في الاعتقاد والعمل» يغني عن غيره، يعني غيره بحاجة إليه، وهو لا يحتاج إلى غيره، بل هو مولّد للحسنات ودافع للسيئات: «و ما خلقت الجنّ و الإنس إلّا ليعبدون»[6]. [أي] عبوديّة ترك المعصية في الاعتقاد والعمل[7]. قد يظنّ البعض أنّه قد اجتزنا مرحلة ترك المعصية!! غافلين أنّ المعصية لا تختص بالكبائر المعروفة، بل الإصرار على الصغائر أيضاً كبيرة، مثلا النظرة الحادة إلى المطيع ـ لإخافته ـ إيذاء محرم، [و] الإبتسامة للعاصي ـ لتشجيعه ـ إعانة على المعصية!
محاسن الأخلاق الشرعية ومفاسد الأخلاق الشرعية قد تبينت في الكتب والرسائل العملية.
الابتعاد عن «العلماء والصلحاء» يصير سبباً أن يغتنم الفرصة سارقو الدّين، ويشتروا الإيمان وأهله بثمن بخس وغير مبارك، وكلّ هذا مجرّب ومشاهد.
نسأل الله تعالى أن يجعل هديتنا في العيد (عيديتنا) ـ في أعياد الإسلام والإيمان الشّريفة ـ التوفيق «للعزم الراسخ الثابت الدائم على ترك المعصية» فإنّه مفتاح السعادة الدنيوية والأُخروية، إلى أن يصبح ترك المعصية ملكة، والمعصية بالنسبة لصاحب الملكة تكون بمنزلة شرب السُمّ للعطشان، أو أكل الميتة للجائع.
من المقطوع به أنّه لو كان هذا الطّريق صعباً إلى آخره، ولا ينتهي بالسهولة والرغبة، لما وقع مورداً للتكليف والترغيب والحثّ عليه من قبل الخالق القادر الرّحيم.
وما توفيقي إلّا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
والحمد لله أولاً وآخراً، والصّلاة على محمّد وآله الطّاهرين، واللّعن الدّائم على أعدائهم أجمعين.
١٧ ربيع المولود ١٤١٩
٢١/٤/١٣٧٧
[1] روضة المتقين، ج ٢، ص ٣٢٢. و في البحار، ج ٤٠، ص ١٢٨: عن النبي صلى الله عليه و آله: «من عمل بما يعلم ورثه الله علم ما لم يعلم».
[2] عن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام): «من عمل بما علم كفى ما لم يعلم». ثواب الأعمال، ص ١٣٣.
[3] سورة العنكبوت، الآية ٩٩.
[4] قال أبو عبد الله (عليه السلام): «كونوا دعاة للنّاس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع والاجتهاد و الصّلاة و الخير، فإن ذلك داعية». الكافي، ج ٢، ص ٧٨.
[5] قال عيسى (عليه السلام): «تحبّبوا إلى الله ببغض أهل المعاصي، و تقرّبوا إلى الله بالتباعد عنهم، و التمسوا رضا الله بسخطهم، قالوا: يا روح الله من نجالس؟ قال: جالسوا من تذكَّركم الله رؤيته، و من يزيد في علمكم كلامه، و من يرغَّبكم في الآخرة عمله». المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء، ج ٣، ص ٢٨٨.
[6] سورة الذاريات، الآية 56.
[7] اي ما خلقتهم إلّا لعبوديّتي في ترك المعصية في الاعتقاد و العمل، أو المراد أنّ العبودية هي ترك المعصية في الاعتقاد و العمل، على احتمال سقوط كلمة «است» من العبارة.