الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّد الأنبياء والمرسلين، وعلى آله سادة الأوصياء الطّاهرين، وعلى جميع العترة المعصومين، واللّعن الدّائم على أعدائهم أجمعين.
هناك جماعة من النّاس يطلبون منّي الموعظة والنّصيحة، فإن كان مقصودهم أن نتكلّم ويسمعوا مرّة أخرى في زمان آخر نكرّر فنتكلم ويسمعوا، فالحقير عاجز عن ذلك، ولا يخفى هذا على أهل الإطّلاع.
أمّا إن قالوا إنّهم يريدون كلمة تكون أُمَّ الكلمات، وكافية لسعادة الدّارين المطلقة، فالله تعالى قادر على أن يكشف عنها ويوصلها إليكم من بيان [العبد] الحقير.
وعليه أقول: إنّ الغرض من الخلقة هو العبوديّة «و ما خلقت الجن و الإنس إلّا ليعبدون»[1] وحقيقة العبوديّة ترك المعصية في الاعتقاد الّذي هو عمل القلب، وفي عمل الجوارح.
وترك المعصية بنحو يصير مَلَكَةً للشخص لا يتحقّق إلّا «بدوام المراقبة»، و«دوام ذكر الله» في كلّ «حال» و«زمان» و«مكان» وسواء «بين النّاس» أو في «الخلوات»؛ «و لا أقول سبحان الله والحمد لله، لكنَّه ذكر الله عند حلاله وحرامه»[2].
إنّنا نحبّ إمام الزَّمان لأنه أمير النّحل، وجميع أُمورنا على الإطلاق تصل إلينا بواسطته، وقد نصّبه النّبي لنا أميراً. ونحبّ النّبي لأن الله جعله واسطة بيننا وبينه. ونحبّ الله لأنّه منبع جميع الخيرات، ووجود الممكنات هو فيضه. فإذا كنّا نريد ونحبّ أنفسنا وكمالها، علينا أن نكون محبّين لله، وإذا كنّا محبّين لله، فعلينا أن نكون محبّين لوسائط الفيوضات من الأنبياء والأوصياء. وإلّا فلا نحبّ أنفسنا، أو لا نحبّ واهب العطايا، أو لا نحبّ وسائط الفيوضات!
إذن فكيمياء السّعادة هو «ذكر الله» الّذي هو محرّك العضلات نحو موجبات السّعادة المطلقة، وكذا «التوسّل بوسائط الأستفاضة من منبع الخيرات» الّذي يكون بوسائلها المقرّرة. يجب علينا أن نهتدي بهدايتهم ونسير بقيادتهم لننال الفلاح.لا تطلبوا التّوضيح بعدُ، والّذي قُدِّمَ [من الإرشاد] فقيّدوه وثبّتوه في القلب، وهو يوضّح نفسَه بنفسِه.
إن قلتم: لماذا لا تكون أنت نفسك عاملاً؟ قلنا: لو كان البناء على لزوم أن نقول: إنّا عاملون بكل ما نحن به عالمون، فلعلّنا لم نكن نقدّم هذا الحضور والبيان. لكن التكليف هو بذل النّعمة، لعلّه يوصل للمقصود «ما أخذ الله على العباد أن يتعلّموا حتّى أخذ على العلماء أن يُعلِّموا»[3].
لا يخفى أنّ النّصيحة العمليّة ـ إن تيّسر ذلك لأحد ـ هي أعلى من النصائح القوليّة «كونوا دعاةً إلى الله بغير ألسنتكم»[4].
وفقّنا الله وإيّاكم لما يرضيه، وجنّبنا جميعاً عمّا يُسخِطه.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والحمد لله أولاً وآخراً، والصّلاة على محمّد وآله الطّاهرين، واللّعن على أعدائهم أجمعين.
المشهد المقدس الرضوي ربيع الثاني ١٤٢٠[5]
[1] سورة الذاريات، الآية 56.
[2] عن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام): «من أشدّ ما فرض الله على خلقه، ذكر الله كثيراً». ثم قال: «لا أعني سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر و إن كان منه، و لكن ذكر الله عند ما أحلّ و حرّم، فإن كان طاعة عمل بها و إن كان معصية تركها». الكافي، ج٢ ، ص ٨٠؛ وسائل الشّيعة، ج ١٥، ص ٢٥٢؛ بحار الأنوار، ج ٦٨، ص ٢٠٤؛ ج ٩٠، ص ١٦٣.
[3] عن أميرالمؤمنين علي (عليه السلام) أنه قال: «ما أخذ الله على الجهّال أن يتعلّموا حتّى أخذ على العلماء أن يعلّموا» بحار الأنوار، ج ٢، ص ٧٨.
[4] قال أبو عبد الله (عليه السلام): «كونوا دعاة للنّاس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصّلاة والخير، فإن ذلك داعية». الكافی، ج ٢، ص ٧٨.
[5] هجري قمري.