بهجة الغريّ

لم تمض الأيّام الكثيرة على نزول الشّيخ البهجة في مدينة باب مدينة علم رسول الله صلّى الله عليه وآله وعلى مشرّفها آلاف التّحيّة والسّلام، حتّى صار مشاراً له بالبنان، ومحلّاً للاهتمام من كبار العلماء الأعلام، وما جاء في هذا الكتاب من قصص تدلّ على ذلك هو غيضٌ من فيض.

ينقل العالم الربانيّ صاحب المصنّفات والمؤلّفات الكثيرة آية الله العلّامة السّيد عبّاس الكاشاني(قدّس سرّه) في مَعْرِضِ كلامه حول الشّيخ المقدّس البهجة (البالغ مناه):

«في مدّة الزّعامة المطلقة لرجل الإسلام العظيم والمرجع الأعلى الفريد من نوعه المرحوم آية الله العظمى السيّد أبو الحسن الأصفهاني(أعلى الله درجته) في النّجف الأشرف، درس سماحة الشّيخ البهجة في تلك المُدّة على يد أساتذةٍ عظماء، أذكر في ذلك الوقت بعضاً من الشّباب المجدّين المجتهدين في الحوزة المقدسة وكان من بينهم العالم العامل والزّاهد النّاسك والمتهجّد الورع سماحة الشّيخ محمّد تقي الفومني [البهجة] (أدامه الله للإسلام ذخراً وللمسلمين ملاذاً) الّذي كان حقيقةً يُشار إليه بالبنان (لعلمه وفضله وورعه) والّذي كان من مفاخر أهل العلم في الحوزة آنذاك وكثيرٌ من أفاضل تلك الحوزة كانوا يغبطونه على مقامه»[1].

نعم، فقد كان منذ بداية ارتياده طريق العلم كما عرّفه السيّد الكاشاني(قدّس سرّه) بل أكثر من هذا حيث كان مورد اهتمام خاص ومتميّز لدى المرجع الأعلى في العالم الإسلامي في وقته وهو السّيد أبو الحسن الأصفهاني (قدّس سرّه)، حيث ينقل أيضاً العلّامة السّيد عبّاس الكاشاني(قدّس سرّه):

«و حقيقةً لم يكن له [أي للشيخ البهجة] مثيلٌ في آدابه وسلوكه وطريقة اكتسابه للعلوم والفنون، وكان موضع اهتمامٍ خاصٍّ ومهمّ من المرحوم السّيد الأعظم الأصفهاني (عطّر الله مرقده). ولهذا كان سماحة الشّيخ البهجة في تلك المُدّة ـ على الرّغم من أنّه كان في عنفوان شبابه ـ ولكنّه كان يُعَدّ من أفاضل حوزة النّجف الأشرف الكبری»[2].

نعم فعلى الرّغم من أنّه كان في مقتبل العمر لكنّه لما كان يحمله من العلم والفضل وما هو عليه من التقوى والورع، فقد أصبح جديراً بالمحبّة والثّناء من قبل أساتذته كالمرجع الكبير السّيد أبو الحسن الأصفهاني(قدّس سرّه)، وفي هذا السّياق يذكر آية الله العلّامة السّيد عبّاس الكاشاني(قدّس سرّه):

«في أحد الأيّام تشرّفت بزيارة الروضة المطهّرة لسّيد الموحّدين أمير المؤمنين علي عليه أفضل صلوات المصلّين والتقيت هناك بأحد أساتذتي الأجلّاء العالم العامل المتّقي آية الله السّيد أحمد الإشكوري (رفع الله في الخلد مقامه) ، وبعد التحيّة والسّلام مع سماحته فجأة دخل سماحة الشّيخ البهجة إلى الرّوضة المطهّرة وهو في حالةٍ من الخضوع والاِنكسار والتوجّه الخاصّ، واشتغل مباشرةً بزيارة الأمير (عليه السّلام) دون أن يلتفت إلى أيّ أحد. فقال الأستاذ سماحة السيّد أحمد الإشكوري: أنا أستلذّ كثيراً لرؤية هذا الشّيخ [يعني الشّيخ البهجة] وأغبطه على حاله، هو حقاًّ شابٌّ عالمٌ وفاضلٌ وزاهدٌ ورعٌ تقيٌّ، وقد اشتغل بتحصيل علوم آل محمد بكل جدٍّ، أرجو من الله أن يكثّر من أمثاله الأجلاّء في الحوزة المقدّسة. ثم أضاف: نفس السيّد أنار الله برهانه [سماحة آية الله العظمى السيّد أبوالحسن الأصفهاني] يحبّه كثيراً ويذكره ويثني عليه كثيراً»[3].

ويضيف العلّامة السّيد عبّاس الكاشاني(قدّس سرّه) أيضاً:

«نقل لي أحد أصدقائي وهو من أفاضل الحوزة، كنت في أحد الأيّام جالساً في حضرة آية الله العظمى السّيد أبو الحسن الأصفهاني ـ العالم الكبير الّذي قلّ مثيله بين علماء الإسلام ـ فجأةً دخل علينا سماحة الشّيخ البهجة فقام السّيد الأصفهاني (قدّس سرّه) من مكانه لأجله بكل إجلال، وأخبرني أنه قلّما رأيت السيّدَ يفعل ذلك لأحد!»[4].

نعم، فقد كان السّيد الأعظم أبو الحسن الأصفهاني(قدّس سرّه) وعلى رغم عظم شأنه وكبر سنّه يقوم من مقامه احتراماً له ويجلّله إجلالاً، وقلّما يفعل هذا مع أحد ٍآخر، وهذا الفعل من سماحته ممّا يثير الدّهشة، لكنّه معذور حقّاً، فقد كان يعرف من هو هذا الشّاب وما هي منزلته الرّفيعة.

ويضيف العلّامة السّيد عبّاس الكاشاني(قدّس سرّه) أيضاً:

«من جهةٍ أخری كان سماحة الشّيخ موضع احترام الكبار، من جملتهم الزّاهد النّاسك المرحوم السّيد القاضي (قدّس سرّه القدّوسي) الّذي كان متعلّقاً بسماحة الشّيخ البهجة جدّاً»[5].

وينقل آية الله الرّضوي البنارسي(قدّس سرّه) أنّه في إحدى المرّات مرض الشّيخ البهجة لعدّة أيّام ولم يستطع أن يحضر درس أُستاذه آية الله العالم العارف السيّد علي القاضي(قدّس سرّه)، فكتب إليه أُستاذه رسالة نصُّها:

«إنّ شوقي إليك كالمجدب مطراً!»[6]

وهذا إنّما يدلّ على المحبّة الفائقة من الأستاذ لتلميذه المجدّ المجتهد الّذي نال درجة سامية ورتبة عالية.

وينقل آية الله الرّودباري أنّه قال لي آية الله الزّاهد (قدّس سرّه):

«في أحد الأيّام كنت في خدمة آية الله الشّيخ البهجة، في الطّريق التقينا بسماحة الشّيخ محمّد كاظم الشّيرازي [الّذي كان أحد أساتذة الشّيخ البهجة]، ورأيت أنّ ذاك الأستاذ الكبير قد توقّف خصّيصاً لأجل الشّيخ البهجة وأبدى لسماحته فائق العناية والتفقّد، ومن خلال الاحترام الخاصّ من قِبَلِ الأستاذ للشّيخ البهجة عرفتُ أنّ له منزلةً خاصّة لدى أساتذته»[7].

 

 

[1] بهجت عارفان در حديث ديگران، ص ٤٣.

[2] بهجت عارفان در حديث ديگران، ص ٤٣.

[3] بهجت عارفان در حديث ديگران، ص ٤٣.

[4] بهجت عارفان در حديث ديگران، ص ٤٥.

[5] بهجت عارفان در حديث ديگران، ص ٤٥.

[6] العبد، ص ٣١.

[7] نكته هاي ناب، ص ١٠٧.