يمكن الاستفادة من آية: «والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سُبلنا»([1]) بحسب الظاهر أنّ الهداية الإلهية وجهاد العبد لكل منهما مراتب ودرجات، وأنّ كل درجة من جهاد العبد وسعيه يتعقّبها درجة من الهداية الإلهية.
ومن موارد العمل بالوظيفة والتكليف أيضاً، أن نتلو القرآن على وجهه بأشكال المجاهدات [ومراتبها] بنحو نستفيد من كل تلاوة غير ما استفدناه من التلاوة السابقة، وفي الصلاة أيضاً أن نستفيد في كل صلاة شيئاً آخر غير ما استفدناه سابقاً، لا أن نعيد للتكرار فقط، من غير زيادة أو نقيصة، بل إنّ الأمر بالنسبة لنا هو هكذا صورة لا سيرةً.
«لنهدينّهم» أي لنفهّمهم الأمور التي في نفس القرآن والسنّة، لا الأمور التي في غيرهما ، والدليل على ذلك أنّكم تفهمون شيئاً جديداً في كل مرّة تقرأونه وتتدّبرون فيه غير الشيء الذي تفهموه في المرّة السابقة. والصلاة أيضاً كذلك، فإنّكم تفهمون منها في كلّ مرّة شيئاً، غير الذي كنتم فهمتوه من قبل، وإلاّ فإنّ الإنسان عندما يصلّي الصلاة الاولى، فإنّ بقية الصلوات تكرار لها، فهل أُمرنا بإتيان الصلاة دون أن نعرف لماذا أُمرنا بها؟ وهل [المطلوب فقط] أن نكرر ما عرفناه وقرأناه مرّة أخرى، بل نعيده في اليوم والليلة خمس مرّات؟! إنّه لأمر عجيب! بل [ أنّه تعالى] يريد إفهامكم أنّ في كلّ صلاة تأتون بها إنتبهو لتنالوا أمراً ولتفهموا شيئاً جديداّ لم تكونوا قد فهمتوه في المرة السابقة، والأمر كذلك في تلاوة السور والآيات القرآنية أيضاً، أي احصل في كل مرّة على شيء غير ما كنت قد حصلت عليه في المرة السابقة.
[1] ـ سورة العنكبوت، الآیة 69.