حكم المباهلة

س: ما هو حكم المباهلة في هذا الزّمان؟

ج: الحمد لله ربِّ العالمين، والصّلاة على سيِّد الأنبياء محمّد وآله سادة الأوصياء المطهّرين. يمكن القول بجواز المباهلة في الجملة في ضروريّات الدِّين، بل مطلق اليقينيِّات الدِّينية مع المعاندين المدَّعين للعلم، الحاضرين -لمجرَّد عدم اعتقادهم بالدِّينيات- للمباهلة مع المحقِّين، مع الدِّين والإيمان، إلِّا أنّه لو كانت راجحة لما عدل عنها أوصياء الرّسول (ص) الّذين هم أولى باتّباعه من غيرهم، حتّى إنّهم عملوا في الجهاد والدّفاع مع شروطها ولو بالتّقرير لعمل ولاة الجور، حتّى إنّهم حضروا لمقاتلة الرئيسين لإطفاء نائرة الحروب ولم يعلنوا أمر المباهلة، وإن كان يمكن أن يكون ذلك من بعض التّخفيفات على الاُمّة وأنّه تعالى لا يرضى إلا بالإيمان الاختياريّ في غير موارد الجهاد والدّفاع مع شروطها، فالاقتصار على تبيين الحقائق الدّينية بالواضحات من الحجج والبراهين أولى وأشبه بعمل أمناء الدّين والأئمّة المعصومين، فإنّها لو كانت مكتوبة معلنة لأثّرت قطعاً ولو في البطون اللّاحقة من أهل العقل والإيمان؛ وهو أيضاً أحوط لإمكان أنّ المخالف يظنّ بكونهم فاقدين للعقل وقاصرين بالجهل في المهمّات الدّينيّة فضلاً عن غيرها، فعدم التّأثير في حقّهم لعلّه يوجب وَهنَاً في أهل الحقائق الدّينيّة، بل في نفس تلك الحقائق. وممّا يفرّق به بين عمل النّبي (ص) مع الكفّار وغيره واشتماله على خصوصيّات مفقودة في غير عمله (ص) ، أنّ الأمر في اُصول الدّين والمذهب -بسبب الاقتران بالمعجزات والكرامات والحجج الواضحات- بلغ إلى حدّ الوضوح بحدٍّ يكون كالمشاهدة القاطعة بما صدر منه (ص) ، بعد ذلك من أوصيائه ممّا لا تُحصى كثرة، فعلى أهل العلم والدّين والإيمان أن لا يتسامحوا في إيضاح البراهين وتكميل الحجج حتّى لا يخفى الحقّ على أحدٍ من طالبيه وأن يستغنوا بتكميل الإيضاحات لما بُيِّن في الكتاب الّذي هو أعظم الكتب السّماويّة وببيانات العترة الّذين هم ثاني الثّقلين والميراثين العظيمين الكافيين، وأن يستغنوا بذلك عن سائر التكلّفات وأن يحسنوا بتأليف القلوب حتّى لا يقعوا بسبب الرشاوي من رؤساء الكفر والضّلال في الكفر والنّفاق مع أمرهم بالقناعة الّتي هي كنزٌ لا يفنى ولا يفتقِرُ معها أحدٌ، ولا يستغني عنها أحد، فإنّ كلّ حدّ من الإحسان يقابل بالأزيد الأقوى منه من رؤساء الضّلالة، ثمّ إنّهم قادرون على الاسترداد منهم بالوجوه المختفية عليهم، فإنّهم مع عدم تعقّلهم يتّبعون رؤساءهم المعاندين للحقّ بسبب الرّياسات الباطلة، ويقاتلون أهل الحقّ والدّين كما هو المشاهَد، نسأل الله التّوفيق للمحافظة على الدّين في الأفعال والتّروك، وأن يوفّقنا للملازمة مع الثّقلين اللّذَين أُمِرنا بالتّمسّك بهما المنافي للعدول عنهما إلى غيرهما. والحمد لله أولاً وآخراً والصّلاة على نبيّه محمّد وعترته الطّاهرين واللّعن الدّائم على أعدائهم أجمعين.

كتبه العبد محمّد تقي بن محمود البهجة الغرويّ الجيلاني.

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته