بهجة الصّلاة

وليس بوسع الكلمات وصف صلاته الملكوتيّة أو درك صورتها البهيّة وروحانيّتها ولا بوسع أحد حتّى أولئك المصلّين الّذين كانت صفوفهم تتراصّ إلى حدٍّ تتزاحم فيه أكتافهم فيضطرون إلى شغل ساحة المسجد الخارجيّة، حيث تتّصل صفوفهم بصفوف أولئك الّذين افترشوا أرض الزّقاق المحاذي لمسجد الفاطميّة وهم يستمعون بآذان قلوبهم إلى صوته المنبعث من داخل محرابه وهو يتلو آيات الذّكر الحكيم، أو يردّد أذكار الرّكوع والسّجود والقنوت، وقد غلبت عليه حالة المضطرّ المستجير باستغاثات يقطّعها النّحيب، وكأنّه لا يريد أن ينفتل من لقاء حبيبه.

والّتي كان يحضرها الأجلّاء من المؤمنين وذوي الشّأن من علماء الحوزة العلميّة، وكان سماحته لسنوات متماديّة يؤمّ المصلّين في الصّلوات الخمس لكنّه في سنيّ عمره الأخيرة، ونظراً لشيخوخته اقتصر حضوره للجماعة على صلاتي الظّهر والعصر فقط. ويصعب على خيال البيان أن يترجم حالة صفوف المصلّين المتزاحمة حينما يخطف لبّهم نشيج آهة ذلك الشّيخ وهو في عروج صلاته، ولا يمكن للقلم أن يطال وصف هيام الوالهين بحبّ ذلك العزيز. بل كان كبار العلماء يقصدون من أقصى المدينة كي يفوزوا بإدراك فضل الجماعة بإمامة سماحته حتّى يحظوا ببركات وآثار صلاته.

فلقد كانت صلاة سماحته بمنزلة المدرسة الأخلاقيّة لعدد كبير لا يحصى من المؤمنين، ففي هذه الصّلاة وبدون أن يتحدّث سماحته مع كلّ شخص على حدة، كان يؤثّر بالمصلّين قلبيّاً وعمليّاً، فيرتقي المؤتمّون بذلك معنويّاً، وكانت الصّلاة خلف سماحته معراجاً حقيقيّاً لهم. فصلاة سماحته كانت تشير لدرجة عالية لدى سماحته من المعرفة الإلهيّة والقرب من ساحة القدس، وأنّ هناك اعتقاداً وإيماناً حقيقييّن وراء تلك الأفعال، والحالات الظّاهرية، وكأنّه ينظر بعين اليقين إلى الدّنيا والآخرة، فبدنه يعيش بين النّاس ولكن روحه معلّقة بالملكوت الأعلى، فطالما كانت صلاة الجماعة خلف سماحته مورد عناية أولياء الله وعباده الصّالحين، منذ اقتداء السيّد القاضي بسماحته في النّجف الأشرف إلى اقتداء السيّد الطّباطبائي وبقيّة العلماء الكبار في قم المقدّسة بسماحته تتبيّن العناية الخاصّة الّتي كانوا يعطونها للصّلاة خلف سماحته والحضور في معراجه.

وينقل السّيد الفهري نجل آية الله السّيد أحمد الفهريّ (قدّس سرّه):

«إنّ والدي آية الله السيّد أحمد الفهري في كلّ مرّة يتشرّف بالذّهاب إلى قم، بأيّ نحو كان، كان يوجِب على نفسه الحضور للصلاة خلف سماحة الشّيخ البهجة، حتّى إذا كان لديه ضيف، كان يوجب ذلك على نفسه، ويتقيّد بهذا العمل، ليس من أجل أن يلتقي بسماحته، بل إنّ نفس الحضور في الصّلاة ومجلس العزاء الّذي يقيمه سماحة الشّيخ البهجة، وكلّ ما هو مرتبط بسماحة الشّيخ البهجة، بالنّسبة له هو أمر مهمّ جدّاً»[1].

وكان آية الله السيّد أحمد الفهري (قدّس سرّه) يقول حول صلاة الشّيخ البهجة (البالغ مناه):

«قلّما يحضر شخصٌ صلاة الجماعة خلف سماحة آية الله الشّيخ البهجة ولا يشعر مع دخوله في الصّلاة أنّه قد انقطع بكلّ وجوده عن الدّنيا وما فيها، وتوجّه إلى المبدأ الأعلى»[2].

 

[1] نكته هاي ناب، ص ١١٥.

[2] نكته هاي ناب، ص ٩٨.