بهجة النّاظرين

نعم، فلقد كانت رؤية وجه سماحته تذكّر المرء بالله دون أن يتحدّث معه، ولم يكن هذا حال النّاس العاديين فقط، بل هو حالُ العلماء الربّانيين الّذين كان النّاس يذكرون الله برؤيتهم، ولكن نفس هؤلاء الربّانيين كان لهم نحو تعلّق بالنّظر إلى وجه سماحته المضيء، بحيث كانوا يذكرون الله برؤية سماحته بدرجات عالية من ذكر الله، حيث ينقل الأُستاذ السيِّد رضا الخسروشاهي:

«أذكر أنّه في أحد الأيام قد جاء العلّامة محمّد تقي الجعفري(قدّس سرّه) للقاء سماحة الشّيخ البهجة(قدّس سرّه)، وبعد اللقاء وفي أثناء الخروج من منزل سماحته رآني في طريقه وقال: «جاء في الرّوايات أنّه: إذا لم يلتق الشّخص بالعالم كلّ أربعين يوم، مات قلبه»، وكذلك: «زيارة العلماء أحبّ إليّ من سبعين طوافاً حول البيت سماحة الشّيخ البهجة هو المصداق الأبرز لهؤلاء العلماء [المذكورين في الرّواية]»[1].

 

هذا على الرّغم من أنّ العلّامة الجعفري(قدّس سرّه) كان من كبار العلماء ومن فحول حوزة النّجف الأشرف المقدّسة، ولكنّه كان يلتمس ذكر الله من رؤية سماحة الشّيخ البهجة (البالغ مناه)، ويضيف السيّد الخسروشاهي أنّه قد قال له العلّامة الجعفري (قدّس سرّه):

«نفس رؤية سماحته وملاقاته هو موعظة، من رأسه إلى قدميه هو موعظة ومنبّه. وكلّما أزور سماحته يبقى أثر ملاقاته في نفسي لعدّة أيّام!»[2].

ويقول أحد العلماء والّذي كان عمره خمسة وثمانين عاماً:

«لم أذهب في حياتي إلى منزل أيّ مرجع، ولكنّ سماحته وحده هو مصداق ذاك الحديث «جالسوا من تذكّركم الله رؤيته ولقاؤه[3] الّذي لقاؤه يجعل الإنسان إلهيّاً ويزعجه من الدّنيا، حياة سماحته مهدّئ للعلماء الزّاهدين».

وينقل آية الله الرّودباري:

«أنّه في إحدى اللّيالي شاركت في حفلّ بذكرى مولد الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السّلام)، والّذي أقيم في منزل المرحوم الحاج الشّيخ مرتضى الأشرفي، في أثناء المجلس انتبهت أنّي جالس بجوار شخص ذي حريمٍ خاصّ، وليس عالم دينٍ عاديّاً، وعرفت خلال تلك اللّحظات القليلة من الوقار والتّأدّب والنّزاهة الخاصّة الّتي تظهر من طريقة جلوسه وتصرّفاته أنّه شخصٌ عظيم، والّذي من شدّة تواضعه وإخلاصه كان من المفترض أن يجلس بين العظماء والعلماء، لكنّه قَبِل أن يجلس في فناء الدّار بين عموم الطلّاب، سألت أحد الطلّاب عن سماحته، فقال: إنّه سماحة آية الله الشّيخ البهجة. من تلك الّلحظة إلى آخر المجلس، بل من تلك الّليلة إلى تاريخ اليوم، أي قبل خمسين عاماً، تعلّقت وانجذبت إلى هذا العالم الربّاني، العبد الصّالح، وصاحب النّفس الزكيّة، الّذي هو بحقٍّ حجّة الحقّ | وحجّة على جميع الحجج[4]»[5].

ينقل نجل سماحة الشّيخ البهجة أنّ آية الله العلّامة الجعفري (قدّس سرّه) قد قال له:

«اترك جميع أعمالك وتعال اخدم هذا الشّيخ، أنت الآن عقلك لا يصل ... ! أقول لك: أنت الّذي تقول: إنّك درست كثيراً، عقلك لا يصل! فكيف بالآخرين؟! ولكنّي أعرفه جيّداً، لقد عرفت سماحته بالنّجف، لا يفكّر بحياته، أنا أقول لك دع جميع أعمالك وتعال اخدم سماحته، اكتب كلّ ما يقول، سجّل كلّ ما يقول، حتّى لو كنت ترى أنّ كلامه فارغٌ، اكتبه، كن أميناً، أنا رأيت قم، رأيت مشهد، رأيت طهران، رأيت إيران، رأيت النّجف، رأيت الشّيعة، رأيت السنّة، هذا الوحيد المتّبقي [من سلسلة الأولياء]، عندما يأخذونه منك حينها تفهم! الآن لن تفهم ولن يدعك تفهم!

هذه المسألة كانت عجيبة من العلّامة الجعفري، حيث إنّه نبّه على هذه النّكتة بأنّه «لن يدعك تفهم»، وقال حقّاً فعلاً، كان سماحته مشرفاً جدّاً على فهمنا وشعورنا!».

وينقل آية الله الشيخ المصباح اليزدي:

«و كنت أزوره تقريباً كلّ يومٍ في الطّريق وفي الحرم أيضاً. ملامح وجهه النّورانيّة كانت تجذب كلّ من ينظر إليه، وطريقة جلوسه وقيامه وحركاته وسكناته كلّها كانت تجذب النّاظرين، وكانت تُظهر لهم كيف أنّه غارقٌ في فضاءٍ معنويّ خاصٍّ به، وأنّ فكرهُ منصرفٌ إلى أمورٍ أعلى وأسمى من الأمور الّتي يفكّر بها الآخرون. إضافةً إلى هذه الصّفات، نظراتُه النافذة واعتناءاته الخاصّة الّتي كانت تنفذ إلى بعض الأشخاص وتجذب روحهم كالمغناطيس وتؤثّر فيها»[6].

وينقل آية الله الشّيخ المسعودي الخميني:

«طبعاً، مجرّد رؤية سماحته تُحيي الإنسان. كان سماحته كتوماً جدّاً بل لم يكن له نظيرٌ في الكتمان، فمع أنّه لديه أمور ومطالب معنوية كثيرة لكنّه كان كتوماً جدّاً عليها ولم يكن من السّهل استخراجها منه. لقد قلّ مثيل سماحة الشّيخ في عصرنا هذا، لكن للأسف هكذا شخصيّات عندما ترتحل عن الدّنيا يقولون عنها: كانوا كذا من النّاحية العلمية وكذا من النّاحية المعنويّة»[7].

ويقول آية الله الشّيخ جوادي الآملي:

«أنتم انظروا إلى سماحة آية الله العظمى الشّيخ البهجة دامت بركاته العالية، كلّ حياته هي درس أخلاق، ذهاب ومجيء سماحته، تصرّفات سماحته جميعها درس أخلاق، من جانب هو يدرّس مثل بقيّة الفقهاء، ومن جانب آخر يصلّي مثل الأئمّة (عليهم السّلام)!»[8].

ويقول أحد كبار المجتهدين:

«لا يمكن أن نقول: إنّ سماحته شخصٌ مُتَّقٍ، بل إنّ سماحته عين التّقوى، وتَجَسُّدُها»[9].

 

[1] بهجت عارفان در حديث ديگران، ص ٢٠١.

[2] بهجت عارفان در حديث ديگران، ص ٢٠١.

[3] بحار الأنوار، ج ٩٧، ص ٨٤.

[4] المقصود بالحجج هنا هم العلماء الربّانيّون.

[5] نكته هاي ناب، ص١٠٣.

[6] بهجت عارفان در حديث ديگران، ص ٥١.

[7] بهجت عارفان در حديث ديگران، ص ١٠٣.

[8] فريادگر توحيد، ١٦٨.

[9] برگي از دفتر آفتاب، ص ٦١.