الرّسالة 11

بسمه تعالى

 

الحمد لله وحده، والصّلاة على سيد الأنبياء محمّد وآله سادة الأوصياء الطّاهرين، واللّعن الدّائم على أعدائهم من الأوّلين والآخرين.

وبعد: لا يخفى على أُولي الألباب، أنّ أساس [الدستور الأساسي] الحركة في المخلوقات هو: «معرفة المحرِّك» الّذي تحتاج الحركة إليه، و«معرفة ما منه الحركة»، و«ما إليه الحركة»، و«ما له الحركة»، أي «البداية» و«النّهاية» و«الغرض»، حيث إنّ الممكنات في حركة [مستمرة] آناً فآناً باتجاه المقصد.

والفرق بين العالم والجاهل هو في: «معرفة علاج الحوادث» و«عدم معرفة ذلك». والتّفاوت في منازلهما في العاقبة[1] بمقدار التّفاوت في «مراتب علمهما» في البداية[2].

إذاً لو عرفنا المحرّك، ووقفنا على حسن تدبير المحرّك وحكمته من نظم المتحرّكات، [صار] كلّ توجهنا [و همّنا] الى إرادته التكوينية والتشريعية. فطوبى للعارف [العارف بالمحرّك وما منه وله وإليه الحركة] وإن كان أعلى الشهداء [مصيبة وابتلاءً]، وتعساً للجاهل [لغير العارف] حتّى لو كان فرعون الزمان [تنعّماً].

في عاقبة هذه الحركات يقول الجاهل: «ليتني ما خلقت!»، يقول العالم: «ليتني سرت نحو المقصد سبعين مرّة، ثم عدت وسرت مرّة أخرى واستشهدت في سبيل الحقّ!».

إيّانا أن نرجع من حياتنا بالندم؛ أقولها بصراحة: «لو انقضى ـ مثلاً ـ نصف عمر أي شخص في ذكر المنعم الحقيقي، ونصفه الآخر في الغفلة، لاعتبر نصف عمره حياة له، والنّصف الآخر موتاً له، مع اختلاف الموت في الإضرار للنفس وعدم النفع».

«العارف بالله» يصير مطيعاً له، ويكون شغله وارتباطه به [تعالى]، ويعمل بما يعلم أنّه موافق لرضاه، ويتوقّف فيما لا يعلم إلى أن يعلم، ويستعلم آناً فآنا، ثم يعمل أو يتوقف. فعمله ناشىء عن «الدّليل»، وتوقفه عن «عدم الدّليل».

هل من الممكن لقافلتنا أن تصل سالمة إلى المقصد ـ عبر هذه العقبة المليئة بالخطر ـ من دون التّسلح بطاعة الله القادر؟

هل من الممكن أن يكون وجودنا من الخالق، وقوّتنا من غيره؟

 

إذن فـ«لا قوّة نافعة باقية إلّا لأهل الله، ولا ضعف إلّا لغيرهم!».

والآن إذا صرنا من أصحاب اليقين في هذه المرحلة، فعلينا لأجل تحقيق هذه الصفات والأحوال، أن نعلم أنّ هذه الحركة المتحققة من أوّلها إلى آخرها، هي المخالفة لمحرك الدواعي الباطلة[3] الّتي لو لم نعتن بها لكفى [ذلك] في سعادة الاتصال برضا المبدأ الأعلى: «أفضل زاد الراحل إليك، عزم إرادة»[4].

والحمد لله أوّلاً وآخراً، والصّلاة على محمّد وآله الطّاهرين، واللّعن الدّائم على أعدائهم أجمعين.

الأقل محمّد تقي البهجة
المشهد المقدس الرضوي
مطابق ربيع الأوّل سنة ١٤١٧ هـ .ق

 

[1] أي القيامة.

[2] أي الدنيا.

[3] البواعث نحو الأعمال الّتي لا تنبعث عن الحكمة بل عن أمور باطلة، فيبيّن سماحته (البالغ مناه) أنّ قوام الحركة السّلوكية من أوّلها إلى آخرها هي المخالفة لهذه البواعث الباطلة.

[4] «و قد علمت أن أفضل زاد الراحل إليك عزم إرادة يختارك بها، و قد ناجاك بعزم الإرادة قلبي». إقبال الأعمال، من دعاء يوم المبعث.