الرّسالة 08

بسمه تعالى

 

ثمّة جماعة يتعاملون مع الوعظ والخطابة والمحاضرة ـ والّتي هي مقدّمة للأُمور العملية المناسبة ـ معاملة ذي المقدمة. وكأنّهم أُمِروا أن يتكلّموا ويستمعوا لأجل أن يتكلّموا ويستمعوا، وهذا خطأ!

التعليم والتعلّم هما لأجل العملِ المناسب لهما، ولا استقلالية لهما. وقد قالوا لتفهيم هذا المطلب والحثّ عليه: «كونوا دعاة إلى الله بغير ألسنتكم»[1] تكلّموا من خلال العمل، وتعلّموا من العمل، وليكن استماعكم بالعمل.

يريد البعض أن يعلّم المعلِّم، حتّى يتعلّم [المعلّم] كيفية التعليم من المتعلّمين!

يطلب البعض [منا] الدّعاء، فنقول: لأي شي؟ فيبيّنون العلة، فنبيّن لهم الدواء، وبدلاً من أداء الشكر واستعماله [الدواء] يقولون مرة أُخرى: ادعوا لنا!

ما أبعد البعد [شتّان ما] بين الّذي نقوله وبين الّذي يريدون؛ يخلطون شرطيّة الدّعاء مع نفسيَّته![2]

إنّنا لا نخرج عن عهدة التكليف، بل علينا تحصيل النتيجة من العمل، ومحال أن يكون العمل بلا نتيجة، وأن تحصل النتيجة من غير العمل، لا يكون كذلك:

لأجل المصلحة، زينوا المجلس [وأقاموه]

جلسوا وتحدثوا وقاموا[3]

لا جعلنا الله قوّالين [مجرد أهل كلام]؛ بل نكون فعّالين [من أهل العمل]. فلا نقدم على حركة عملية من دون علم، ولا نتوقّف مع العلم.

لنعمل بما نعلم، [و] لنقف ونحتط فيما لا نعلم، إلى أن نعلم [و يحصل لنا العلم به]، هذا النهج لا ندم فيه قطعاً.

لا ينظر بعضنا إلى بعض، بل ليكن نظرنا إلى دفتر الشّرع[4]، ولنجعل العمل والتّرك مطابقاً له.

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

[1] قال أبو عبد الله (عليه السلام): «كونوا دعاة للنّاس بغير ألسنتكم، لِيَرَوا مِنكُم الوَرَعَ و الاجتِهَادَ و الصَّلاةَ و الخَيرَ، فَإِنَّ ذَلِكَ داعية». الكافی، ج ٢، ص ٧٨.

[2] مراده (البالغ مناه) أن الدّعاء إذا كان يطلب كمقدمة و شرط لتحصيل حاجة معيّنة و حل تلك المشكلة بواسطته، فعندما يدلّهم على دواء دائهم و حل مشكلتهم فلا يعود هناك حاجة لطلب الدّعاء لهم مرة أخرى، إلّا إذا كان دعاؤه لهم مطلوباً لنفسه و ذاته، لا لتحقيق تلك الحاجة، فطلبهم أن يدعو لهم ثانية يعني أنهم في هذه الحال قد تعاملوا مع الدّعاء على أنه مطلوب لنفسه، لا كمقدمة و شرط للحاجة التي يريدون، و هذا خلط بين المقامين. أو المراد أنّ الدّعاء شرط تأثير العمل بالتكليف في قضاء الحاجة و ليس الدّعاء بنفسه مجرداً عن العمل ممّا أمر به.

[3] ترجمة الشّعر الفارسي نصّه: پي مصلحت مجلس آراستند        نشستند و گفتند و برخاستند

[4] يقصد سماحته أي كتاب أحكام الشّرع أي الرسالة العمليّة الصّحيحة.